أي أعطيت وقال تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٧] فعطف الإطعام على الرزق والعطف يقتضي المغايرة.
والاستفهام المقدر بعد العاطف إنكاري ، وإذ كان التكذيب لا يصح أن يجعل رزقا تعين بدلالة الاقتضاء تقدير محذوف يفيده الكلام فقدره المفسرون : شكر رزقكم ، أو نحوه ، أي تجعلون شكر الله على رزقه إياكم أن تكذبوا بقدرته على إعادة الحياة ، لأنهم عدلوا عن شكر الله تعالى فيما أنعم به عليهم فاستنقصوا قدرته على إعادة الأجسام ، ونسبوا الزرع لأنفسهم ، وزعموا أن المطر تمطره النجوم المسماة بالأنواء فلذلك قال ابن عباس : نزلت في قولهم : مطرنا بنوء كذا ، أي لأنهم يقولونه عن اعتقاد تأثير الأنواء في خلق المطر ، فمعنى قول ابن عباس : نزلت في قولهم : مطرنا بنوء كذا ، أنه مراد من معنى الآية.
قال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله رزقا : هذا بنوء كذا وكذا اه.
أشار هذا إلى ما روي في «الموطأ» عن زيد بن خالد الجهني قال : صلّى لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء فلما انصرف النبي صلىاللهعليهوسلم أقبل على الناس فقال: هل تدرون ما ذا قال ربكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا ونوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ، وليس فيه زيادة فنزلت هذه الآية ولو كان نزولها يومئذ لقاله الصحابي الحاضر ذلك اليوم.
ووقع في «صحيح مسلم» عن ابن عباس أنه قال : «مطر الناس على عهد النبيصلىاللهعليهوسلم فقال النبي أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا. قال فنزلت : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥] حتى بلغ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) فزاد على ما في حديث زيد بن خالد قوله فنزلت : (فَلا أُقْسِمُ) إلخ.
وزيادة الراوي مختلف في قبولها بدون شرط أو بشرط عدم اتحاد المجلس ، أو بشرط أن لا يكون ممن لا يغفل مثله عن مثل تلك الزيادة عادة وهي أقوال لأئمة الحديث وأصول الفقه ، وابن عباس لم يكن في سن أهل الرواية في مدة نزول هذه السورة بمكة فعل قوله : فنزلت تأويل منه ، لأنه أراد أن الناس مطروا في مكة في صدر الإسلام فقال المؤمنون قولا وقال المشركون قولا فنزلت آية (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنديدا