وتقديمه على عامله للاهتمام فيكون فيه معنى الإغراء بالتماس النور هناك وهو أشد في الإطماع ، لأنه يوهم أن النور يتناول من ذلك المكان الذي صدر منه المؤمنون ، وبذلك الإيهام لا يكون الكلام كذبا لأنه من المعاريض لا سيما مع احتمال أن يكون (وَراءَكُمْ) تأكيدا لمعنى (ارْجِعُوا).
وضمير (بَيْنَهُمْ) عائد إلى المؤمنين والمنافقين.
وضرب السور : وضعه ، يقال : ضرب خيمة ، قال عبدة بن الطيّب :
إن التي ضربت بيتا مهاجرة |
|
بكوفة الجند غالت ودّها غول |
وضمن (فَضُرِبَ) في الآية معنى الحجز فعدي بالباء ، أي ضرب بينهم سور للحجز به بين المنافقين والمؤمنين ، خلقه الله ساعتئذ قطعا لأطماعهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، فحق بذلك التمثيل الذي مثّل الله به حالهم في الدنيا بقوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) في سورة البقرة [١٧]. وأن الحيرة وعدم رؤية المصير عذاب أليم.
ولعل ضرب السور بينهم وجعل العذاب بظاهره والنعيم بباطنه قصد منه التمثيل لهم بأن الفاصل بين النعيم والعذاب هو الأعمال في الدنيا وأن الأعمال التي يعملها الناس في الدنيا منها ما يفضي بعامله إلى النعيم ومنها ما يفضي بصاحبه إلى العذاب فأحد طرفي السور مثال لأحد العملين وطرفه الآخر مثال لضده. و «الباب» واحد وهو الموت ، وهو الذي يسلك بالناس إلى أحد الجانبين.
ولعل جعل الباب في سور واحد فيه مع ذلك ليمر منه أفواج المؤمنين الخالصين من وجود منافقين بينهم بمرأى من المنافقين المحبوسين وراء ذلك السور تنكيلا بهم وحسرة حين يشاهدون أفواج المؤمنين يفتح لهم الباب الذي في السور ليجتازوا منه إلى النعيم الذي بباطن السور.
وركّب القصّاصون على هذه الآية تأويلات موضوعة في فضائل بلاد القدس بفلسطين عزوها إلى كعب الأحبار فسموا بعض أبواب مدينة القدس باب الرحمة ، وسموا مكانا منها وادي جهنم ، وهو خارج سور بلاد القدس ، ثم ركبوا تأويل الآية عليها وهي أوهام على أوهام.
واعلم أن هذا السور المذكور في هذه الآية غير الحجاب الذي ذكر في سورة