وقولهم : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) [آل عمران : ١٦٧] ولذلك يحسبون أن العاقبة لهم (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون : ٧]. وقد بينت الخصال التي تتولد على النفاق في تفسير سورة البقرة فطبّق عليه هذه الأصول الأربعة وألحق فروع بعضها ببعض.
والمقصود من الغاية ب (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) التنديد عليهم بأنهم لم يرعووا عن غيهم مع طول مدة أعمارهم وتعاقب السنين عليهم وهم لم يتدبروا في العواقب ، كما قال تعالى : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) [فاطر : ٣٧] وإسناد التغرير إلى الأماني مجاز عقلي لأن الأماني والطمع في حصولها سبب غرورهم وملابسه.
ومجيء أمر الله هو الموت ، أي حتى يتمّ على تلك الحالة السيئة ولم تقلعوا عنها بالإيمان الحق.
والغاية معترضة بين الجملتين المتعاطفتين ، ومن حق المؤمن أن يعتبر بما تضمنه قوله تعالى : (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) الآية ، فلا يماطل التوبة ولا يقول : غدا غدا.
وجملة (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) عطف على جملة (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) تحقيرا لغرورهم وأمانيهم بأنها من كيد الشيطان ليزدادوا حسرة حينئذ.
والغرور : بفتح الغين مبالغة في المتصف بالتغرير ، والمراد به الشيطان ، أي بإلقائه خواطر النفاق في نفوسهم بتلوينه في لون الحق وإرضاء دين الكفر الذي يزعمون أنه رضي الله (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠].
ويجوز أن يراد جنس الغارّين ، أي وغركم بالله أئمة الكفر وقادة النفاق.
والتغرير : إظهار الضار في صورة النافع بتمويه وسفسطة.
والباء في قوله : (بِاللهِ) للسببية أو للآلة المجازية ، أي جعل الشيطان شأن الله سببا لغروركم بأن خيّل إليكم أن الحفاظ على الكفر مرضي لله تعالى وأن النفاق حافظتم به على دينكم وحفظتم به نفوسكم وكرامة قومكم واطلعتم به على أحوال عدوكم.
وهذا كله معلوم عندهم قد شاهدوا دلائله فمن أجل ذلك فرّعوا لهم عليه قولهم : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [الحديد : ١٥] ، قطعا لطمعهم أن يكونوا مع المؤمنين يومئذ كما