لكن مرفوعا على أنه فاعل (اتَّبَعَتْهُمْ) ، فيكون الإنعام على آبائهم بإلحاق ذرياتهم بهم وإن لم يعملوا مثل عملهم.
وقد روى جماعة منهم الطبري والبزار وابن عديّ وأبو نعيم وابن مردويه حديثا مسندا إلى ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه (أي في العمل كما صرح به في رواية القرطبي) لتقرّ بهم عينه ثم قرأ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) إلى قوله : (مِنْ شَيْءٍ).
وعلى الاحتمالين هو نعمة جمع الله بها للمؤمنين أنواع المسرّة بسعادتهم بمزاوجة الحور وبمؤانسة الإخوان المؤمنين وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم ، وذلك أن في طبع الإنسان التأنس بأولاده وحبه اتصالهم به.
وقد وصف ذلك محمد بن عبد الرفيع الجعفري المرسي الأندلسي نزيل تونس سنة ١٠١٣ ثلاث عشرة وألف في كتاب له سمّاه «الأنوار النبوية في آباء خير البرية» (١) قال في خاتمة الكتاب «قد أطلعني الله تعالى على دين الإسلام بواسطة والدي وأنا ابن ستة أعوام مع أني كنت إذ ذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم ثم أرجع إلى بيتي فيعلمني والدي دين الإسلام فكنت أتعلم فيهما (كذا) معا وسني حين حملت إلى مكتبهم أربعة أعوام فأخذ والدي لوحا من عود الجوز كأني انظر الآن إليه مملّسا من غير طفل (اسم لطين يابس وهو طين لزج وليست بعربية وعربيته طفال كغراب) ، فكتب لي فيه حروف الهجاء وهو يسألني عن حروف النصارى حرفا حرفا تدريبا وتقريبا فإذا سميت له حرفا أعجميا يكتب لي حرفا عربيا حتى استوفى جميع حروف الهجاء وأوصاني أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعمّي وأخي مع أنه رحمهالله قد ألقى نفسه للهلاك لإمكان أن أخبر بذلك عنه فيحرق لا محالة وقد كان يلقّنني ما أقوله عند رؤيتي الأصنام ، فلما تحقق والدي أني أكتم أمور دين الإسلام أمرني أن أتكلم بإفشائه لوالدتي وبعض الأصدقاء من أصحابه وسافرت الأسفار من جيّان لأجتمع بالمسلمين الأخيار إلى غرناطة وإشبيلية وطليطلة وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء ، فتخلص لي من معرفتهم أني ميزت منهم سبعة رجال كانوا يحدثونني بأحوال غرناطة وما كان بها في الإسلام وقد مروا كلهم على شيخ من مشايخ غرناطة يقال له الفقيه الأوطوري ...» إلخ.
__________________
(١) مخطوط عندي.