وقد ذكر الله تعالى نزع موسى عليهالسلام لا بنتي شعيب لما رأى انقباضهما عن الاندماج في الرعاء. وذكر النبي صلىاللهعليهوسلم في رؤياه نزعه على القليب ثم نزع أبي بكر رضياللهعنه ثم نزع عمررضياللهعنه. ثم استعير أو جعل مجازا عن المداولة والمعاورة في مناولة أكؤس الشراب ، قال الأعشى:
نازعتهم قضب الريحان متكئا |
|
وخمرة مزّة راووقها خضل |
والمعنى : أن بعضهم يصبّ لبعض الخمر ويناوله إيثارا وكرامة.
وقيل : تنازعهم الكأس مجاذبة بعضهم كأس بعض إلى نفسه للمداعبة كما قال امرؤ القيس في المداعبة على الطعام :
فظل العذارى يرتمين بلحمها |
|
وشحم كهدّاب الدمقس المفتّل |
والكأس : إناء تشرب فيه الخمر لا عروة له ولا خرطوم ، وهو مؤنث ، فيجوز أن يكون هنا مرادا به الإناء المعروف ومرادا به الجنس ، وتقدم قوله في سورة الصافات [٤٥] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) ، وليس المراد أنهم يشربون في كأس واحدة بأخذ أحدهم من آخر كأسه. ويجوز أن يراد بالكأس الخمر ، وهو من إطلاق اسم المحل على الحالّ مثل قولهم : سال الوادي وكما قال الأعشى :
نازعتهم قضب الريحان (البيت السابق آنفا).
وجملة (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) يجوز أن تكون صفة ل «كأس» وضمير (لا لَغْوٌ فِيها) عائدا إلى «كأس» ووصف الكأس ب (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ). إن فهم الكأس بمعنى الإناء المعروف فهو على تقدير : لا لغو ولا تأثيم يصاحبها ، فإن (في) للظرفية المجازية التي تؤوّل بالملابسة ، كقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) [الحج : ٧٨] وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ففيهما ـ أي والديك ـ فجاهد» ، أي جاهد ببرهما ، أو تأوّل (في) بمعنى التعليل كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعا».
وإن فهم الكأس مرادا به الخمر كانت (في) مستعارة للسببية ، أي لا لغو يقع بسبب شربها. والمعنى على كلا الوجهين أنها لا يخالط شاربيها اللغو والإثم بالسباب والضرب ونحوه ، أي أن الخمر التي استعملت الكأس لها ليست كخمور الدنيا ، ويجوز أن تكون جملة (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) مستأنفة ناشئة عن جملة (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) ، ويكون ضمير (فِيها) عائدا إلى (جَنَّاتٍ) من قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ) [الطور : ١٧] مثل