روى الطبري عن قتادة قال قائلون من الناس : تربصوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان ، ولم يعينوا اسم الشاعر ولا أنه كان يهجو كفار قريش.
وعن الضحاك ومجاهد : أن قريشا اجتمعوا في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمدصلىاللهعليهوسلم فقال بنو عبد الدار : هو شاعر تربصوا به ريب المنون ، فسيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى ، فافترقوا على هذه المقالة ، فنزلت هذه الآية فحكت مقالتهم كما قالوها ، أي فليس في الكلام خصوص ارتباط بين دعوى أنه شاعر ، وبين تربص الموت به لأن ريب المنون يصيب الشاعر والكاهن والمجنون. وجاء (يَقُولُونَ) مضارعا للدّلالة على تجدد ذلك القول منهم. والتربص مبالغة في : الرّبص ، وهو الانتظار.
والريب هنا : الحدثان ، وفسر بصرف الدهر ، وعن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكانا واحدا في الطور (رَيْبَ الْمَنُونِ).
والباء في (بِهِ) يجوز أن تكون للسبب ، أي بسببه ، أي نتربص لأجله فتكون الباء متعلقة ب (نَتَرَبَّصُ) ويجوز أن تكون للملابسة وتتعلق ب (رَيْبَ الْمَنُونِ) حالا منه مقدمة على صاحبها ، أي حلول ريب المنون به.
والمنون : من أسماء الموت ومن أسماء الدهر ، ويذكّر. وقد فسر بكلا المعنيين ، فإذا فسر بالموت فإضافة (رَيْبَ) إليه بيانية ، أي الحدثان الذي هو الموت وإذا فسر المنون بالدهر فالإضافة على أصلها ، أي أحداث الدهر من مثل موت أو خروج من البلد أو رجوع عن دعوته ، فريب المنون جنس وقد ذكروا في مقالتهم قولهم : فسيهلك ، فاحتملت أن يكونوا أرادوه بيان ريب الموت أو إن أرادوه مثالا لريب الدهر ، وكلا الاحتمالين جار في الآية لأنها حكت مقالتهم.
وقد ورد (رَيْبَ الْمَنُونِ) في كلام العرب بالمعنيين ؛ فمن وروده في معنى الموت قول أبي ذؤيب :
أمن المنون وريبها تتوجع |
|
والدهر ليس بمعتب من يجزع |
ومن وروده بمعنى حدثان الدهر قول الأعشى :
أإن رأت رجلا أعشى أضرّ به |
|
ريب المنون ودهر متبل خبل |
أراد أضرّ بذاته حدثان الدهر ، ولم يرد إصابة الموت كما أراد أبو ذؤيب.