وجمهور المفسرين جعلوا المماثلة في عدد السبع وقالوا : إن الأرض سبع طبقات فمنهم من قال هي سبع طبقات منبسطة تفرق بينها البحار. وهذا مروي عن ابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه ، ومنهم من قال هي سبع طباق بعضها فوق بعض وهو قول الجمهور. وهذا يقرب من قول علماء طبقات الأرض (الجيولوجيا) ، من إثبات طبقات أرضية لكنها لا تصل إلى سبع طبقات.
وفي «الكشاف» «قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه» اه. وقد علمت أنها لا دلالة فيها على ذلك.
وقال المازري في كتابه «المعلم» على «صحيح مسلم» عند قول النبيصلىاللهعليهوسلم في كتاب الشفعة : «من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه من سبع أرضين يوم القيامة».
كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد كتب إليّ بعد فراقي له : هل وقع في الشرع عما يدل على كون الأرض سبعا ، فكتبت إليه قول الله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) وذكرت له هذا الحديث فأعاد كتابه إليّ يذكر فيه أن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة أو مثلهن في العدد. وأن الخبر من أخبار الآحاد ، والقرآن إذا احتمل والخبر إذا لم يتواتر لم يصح القطع بذلك ، والمسألة ليست من العمليات فيتمسك فيها بالظواهر وأخبار الآحاد ، فأعدت إليه المجاوبة أحتج لبعد الاحتمال عن القرآن وبسطت القول في ذلك وترددت في آخر كتابي في احتمال ما قال. فقطع المجاوبة اه.
وأنت قد تبينت أن إفراد الأرض مشعر بأنها أرض واحدة وأن المماثلة في قوله : (مِثْلَهُنَ) راجعة إلى المماثلة في الخلق العظيم ، وأما الحديث فإنه في شأن من شئون الآخرة وهي مخالفة للمتعارف ، فيجوز أن يطوق الغاصب بالمقدار الذي غصبه مضاعفا سبع مرات في الغلظ والثقل ، على أن عدد السبع يجوز أن يراد به المبالغة في المضاعفة. ولو كان المراد طبقات معلومة لقال : طوقه من السبع الأرضين بصيغة التعريف. وكلام عبد الحميد أدخل في التحقيق من كلام المازري.
وعلى مجاراة تفسير الجمهور لقوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) من المماثلة في عدد السبع ، فيجوز أن يقال : إن السبع سبع قطع واسعة من سطح الأرض يفصل بينها البحار نسميها القارات ولكن لا نعني بهذه التسمية المعنى الاصطلاحي في كتب الجغرافيا القديمة أو الحديثة بل هي قارات طبيعية كان يتعذر وصول سكان بعضها إلى بعضها الآخر في الأزمان التي لم يكن فيها تنقّل بحري وفيما بعدها مما كان ركوب البحر فيها مهولا. وهي