أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٨) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ
____________________________________
(أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) خاصة بهم بحسب اقتراحهم عتوّا واستكبارا كما حكاه الله عنهم في سورة الاسراء المكية من قوله تعالى ٩٢ ـ ٩٦ (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله تعالى (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) في الاقتراح الفاسد مع انهم شاهدوا ما تقتضيه الحكمة من الآيات والدلائل حيث قال اليهود (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) وذلك بعد ما رأوا الدلائل على رسالة موسى كآية العصا وشق البحر (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) في الضلال والكفر بالآيات البينات. ولو جرت الآيات على حسب اقتراح المقترحين من المنهمكين بالضلال والمماراة لخرجت عن كونها آيات بل صارت بذلك أمورا عادية لا تقوم بها حجة فضلا عن ان كثيرا منهم يطلب المستحيل عقلا كقول بني إسرائيل (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) وهل الآيات إلا ما تقتضيه الحكمة بحسب حال المدعوين إلى الإيمان مما يفيد اليقين وتقوم بالحجة وقد جاء رسول الله «ص» بذلك على أحسن وجه (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بما يوجب اليقين بدلالته الكافية ولا يمارون فيها بعناد الضلال وتحكم الأهواء فقد نزل القرآن معجزا على ما تقتضيه الحكمة من وجوه عديدة فاستنار بيقينه الموقنون وقطع المعاذير على الجاحدين والمرتابين إذ تحداهم بالإتيان بعشر سور او سورة من مثله. قلت وقد أشير إلى شيء من ذلك في الفصل الأول من المقدمة ولا تأس يا رسول الله من قول هؤلاء ١١٧ (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً) للمؤمنين بما أعد لهم من النعيم (وَنَذِيراً) بما أعد للكافرين والمعاندين من العذاب والهوان (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) الذين استحقوها بسوء اختيارهم ١١٨ (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ) حتى تتبع ملتهم وحذف ذلك لدلالة قوله تعالى (وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ) اني اتبع الهدى واين منه اهواؤكم وتقليدكم فيها و (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بدين الحق وضلال هؤلاء فيما هم عليه اذن (ما لَكَ) ولا لكل احد قامت