بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ
____________________________________
يجيء به الرسل من الأنبياء من عند الله فيحتمل ان يراد بالنبيين خصوص الرسل الذين ينزل عليهم كتاب ويحتمل ان يراد بهم مطلق الأنبياء وعبر بانزال الكتاب معهم باعتبار انزاله على الرسل منهم فكان منزلا مع نوبة بعثتهم عليهمالسلام أنزله الله (بِالْحَقِ) أي ليبين الحق ويوضح للناس نهج الهدى في دينهم وشرائعهم. ومن غايات ذلك وفوائده ان يكون مرجعا وحكما فاصلا في الاختلاف وباعتبار هذه الغاية الشريفة قال جلت آلاؤه (لِيَحْكُمَ) ببيانه (بَيْنَ النَّاسِ) أي مطلق الناس لا خصوص أولئك المذكورون ولو كانوا هم المراد لقيل ليحكم بينهم (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) ودعاهم إلى الاختلاف فيه جهلهم واهواؤهم (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) أي في الكتاب (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) واختلفوا فيه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) من محكماته المعتضدة بدلالة العقل وفي هذه الجملة دفع لما يتوهم من ان الكتاب كيف يحكم بين الناس مع ان كل فرقة من الأمة الواحدة في خصامها الديني والمذهبي مع الفرقة الأخرى تحتج بالكتاب الجامع بين الأمة وتدعي دلالته على ما تقول به فقال الله تعالى ما معناه ان الكتاب المنزل للأمة بحسب الحكمة بلسان البشر ولسان تلك الأمة ومحاورتها وان كان فيه صريح محكم وظاهر بالوضع ومجاز ظاهر المعنى بالقرائن اللفظية او العقلية البديهية لكن صريحه ومحكمه وبيناته لا تبقي مجالا للتوهم. بل هي واقفة بالمرصاد لتلاعب الأهواء بظاهره ومجازاته فلم يختلفوا لخفاء دلالته واشكالها بل وقع الاختلاف (بَغْياً) حاصلا (بَيْنَهُمْ) وانحرافا من بعضهم عن الحق وزيغا إلى البغي ليموه الباغون أمرهم بالتشبث بالمتشابهات (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بحقيقة الإيمان وأوصلهم بتوفيقه (لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) وتأييده باللطف لأنهم اهل لذلك بإيمانهم وتدبرهم في الكتاب (وَاللهُ يَهْدِي) ويوصل إلى الحق (مَنْ يَشاءُ) ممن هو اهل للطفه وتوفيقه جلت نعماؤه (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ويجوز ان تحمل الآية على الاختلاف في نفس الكتاب وكونه منزلا من الله ويكون المراد من البينات هي المعجزات والدلائل على صدق الرسول ونزول الكتاب من الله ٢١٢ (أَمْ حَسِبْتُمْ) أيها المسلمون (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) وتنالوا درجاتها الرفيعة جزاء ومكافاة