وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ
____________________________________
وجهين «أولهما» هو الإيتاء الخاص للممتاز من عباده بالصلاح والأهلية لتكميل البشر وإصلاحهم في المعارف الدينية ، والأخلاق الفاضلة ، وحسن الاجتماع ، والحصول على المستقبل الصالح السعيد. وهذا هو ملك الرسل والأنبياء وأئمة الحق «وثانيها» إيتائه لا بهذا النحو بل بحسب سير التقدير في العالم واقتضاء الأسباب التي قدرها الله في هذا الكون نعمة في الحياة الدنيا محددا لذلك بحدود الأخلاق الكريمة والواجبات العقلية والشرعية والنهي عن محرماتها كما أنعم على الإنسان بالقوى ليتمتع بها في الواجب والندب والمباح. فيستقيم على الجادة من يستقيم ويحظى من ذلك بالكمال ، وحسن الجزاء. ويضل بسوء اختياره من يضل فيخسر حظه ويستوجب ما يستوجب. ولكل من إيتاء الملك والقدرة والقوى اثر وغاية تحصل عن حسن اختيار الإنسان او سوئه. ففي سورة النمل في شأن سليمان النبي في تواضعه لله الناشئ من عصمته الاختيارية قوله في مسألة عرش بلقيس ٤٠ (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) وفي سورة يونس ٨٨ (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) الآية اي وكانت عاقبتهم ان يضلوا عن سبيلك بسوء اختيارهم. وفصل الكلام بقوله «ربنا» لإيضاح ان المراد من اللام هي العاقبة لا التعليل وفي سورة البقرة ٢٥٨ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ومما ينبغي التنبيه عليه ان الشيخ في التبيان قال ان الهاء في آتاه الله الملك كناية عن المحاج لإبراهيم ونسب عودها الى ابراهيم الى القيل. ثم قال في (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) ما ملخصه لا يجوز ان يعطي الله الملك الفاسق لقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فكأنه نظر في هذه الآية الى الوجه الاول من وجهي إيتاء الملك وفي آية البقرة الى الوجه الثاني ولعل صورة هذا التدافع نشأت من اختصار التبيان ولذا لم يقع مثله في مجمع البيان وفي تفسير البرهان عن الكافي باسناده عن عبد الأعلى وعن تفسير العياشي عن داود بن فرقد جميعا عن الصادق (ع). رواية تنزل على نظر السائل الى الوجه الاول من إيتاء الملك الذي ينبغي ان يسير من رسول الله الى الائمة من اهل بيته وعترته احد الثقلين (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ان تنزعه منه بموته