أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ
____________________________________
للمسلمين أمة محمد (ص) باعتبار انهم جماعته الذين آمنوا به (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) وللكلام في الآية مقامان ـ الأول ـ ان المترائي من الآية ان «كان» ناقصة تدل على ان مضمون خبرها قد كان في الزمان الماضي وانقضى وانقطع. ومن أجل ذلك ذكر في الدر المنثور عشرة أكثرهم من اهل الصحة عندهم منهم الحاكم في مستدركه اخرجوا عن ابن عباس في ذلك انه قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله الى المدينة. واخرج بعضهم عن عمر قال تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا. وعن عمر ايضا لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا ولكن قال كنتم في خاصة اصحاب محمد (ص) ومن صنع مثل صنيعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس. وفي حقائق التنزيل وروي عن الحسن «أي البصري» ان ذلك اشارة الى الصحابة دون من بعدهم ممن تغيرت حاله ، واختلفت أوصافه. وفيه ايضا روي عن الحسن انه كان يقول هكذا والله كانوا مرة وبعض المسلمين كان يقول أعوذ بالله ان أكون كنتيا (١) أقول وهذا كله ينظر الى مفاد كان الناقصة ولكن لم يعط معناها حقه فإنها لو كانت في الآية ناقصة لكانت دالة على انقطاع الصفة التي في خبرها وتبدلها وباعتبار كون الخطاب فيها للمسلمين تكون من أشد التوبيخ والتقريع بسوء العاقبة لمن كان موجودا من المسلمين حين نزول الآية وخطابها وقد كان البارز منهم حينئذ جل الكبار من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. فكيف يخاطب القرآن هؤلاء الأكابر وغيرهم من الأمة في وقت النزول بما يؤدي الى انهم منسلخون حينئذ من صفات الآية قد انقطعت عنهم بعد ما كانوا حائزين لكرامتها. ولا
__________________
(١) يضرب المثل لمن تبدلت حاله وصار يفتخر بما مضى وفقده من صفاته ويسمونه كنتيا وكذا من أعجزه الهرم فصار يفتخر بأحواله في شبابه ويقول كنت كذا وكنت كذا. وقد مرّ عليك قول لبيد بن ربيعة :
«قالت غداة انتجينا عند جارتها |
|
أنت الذي كنت لو لا الشيب والكبر» |
وانشدوا :
«فأصبحت كنتيا وأصبحت طالما |
|
وشر خصال المرء كنت وطالم» |
أي أقول عند الهرم والعجز كنت كذا وكذا وطالما كان كذا وطالما فعلت كذا وكذا. وقد نصب طالما ورفع على اشتقاقه على سبيل الحكاية اسما من «طالما»