العقل الفطري بقبح صدور القبيح من فاعله انما هو بالنظر الى عقل الفاعل وجهة كماله وعلمه بالفعل وبجهة قبحه ولذا لا يحكم بالقبح الفاعلي على الفاعل من الأطفال والمجانين الذين لا يميزون ولا على الغافل عن الفعل او جهة قبحه. وان الله هو الكامل العليم الخبير فهو جل قدسه أول من ينظر العقل إلى فعله ويحكم بامتناع صدور القبيح منه جل شأنه «رابعها» انه يقبح من الإنسان أن يمكن عبده من القبائح والفواحش بمرأى منه ومسمع ثم يعاقبه على ذلك مع أن القدرة التي يفعل بها الناس الفواحش هي من الله على علم منه بمن سيفعل الفواحش منهم (ويردهم) ان التمكين القبيح هو ما كان مختصا بفعل الفواحش ولكن الله عزوجل أعطى القوى للإنسان ليتمتع بها في المباح والراجح نعمة منه لإبقاء نوعه وانتظام اجتماعه. غاية الأمر ان الإنسان يتمكن من أن يعملها في المحرم الذي أرشده إلى تركه بالعقل وزجر الأنبياء ونواهيه في وحيه وإنذارهم لهم بالوعيد. فهذه القوى نعمة مسدودة لا مساس لها بما ذكروه من المثال. ولم يخلق الله قوة مختصة بأعمال الشر لكي تكون نقضا على ما نقول به من مسألة القبح «خامسها» أن ما يكون ظلما قبيحا إنما هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه والله مالك العباد وكل شيء. فكل ما يفعله بالعباد ليس بظلم. ويرده أولا ان العقل لا يتوقف في احكامه وموضوعاتها على ما يذكر في بعض المتون الفقهية أو معاجم اللغة في معنى الظلم تساهلا أو قصورا أو اقتصارا على محل الحاجة في البيان. فإن كل ذي شعور إذا رأى مالك العبد قد سدّ فمه ومنعه بالقهر عن شرب الماء واستمرّ على المنع وهو يقول له اشرب الماء اشرب حتى إذا أضرّ به العطش وهو ممنوع عن الشرب استشاط مالكه غضبا عليه وصار يعنفه وينكل به لأنه لم يشرب الماء. وكذا لو فعل مثل ذلك فيما يملكه من الحيوان. فإن الرائي لذلك الحال وكل من علم به يحكم بالبداهة ان العبد والحيوان المذكورين مظلومان. وإن المالك المذكور ظالم قد فعل قبيحا. وثانيا. ان مقتضى ما زعموه انّ الأنبياء والرسل الذين أفنوا أعمارهم في طاعة الله وعبادته والدعوة اليه وصبروا في ذلك على الشدائد هؤلاء الكرام يجوز أن يعذبهم الله يوم القيامة في جهنم خالدين فيها بعذاب إبليس وفرعون بزعمهم وإنه ليس بظلم ولا قبيح فإنهم عبيد الله وملكه «سادسها» أنه يجوز ان تكون هناك حكمة تسوغ ان يلجئ الله عباده على الكفر وأعمال الشر ثم يعاقبهم على ذلك فلا سبيل للعقل مع هذا الجواز إلى حكمه بقبح هذا الإلجاء وهذا العقاب (ويردهم) ان العقل يحكم بالقبح والامتناع في هذا وأمثاله لأنه يجد ان لا حكمة ترفع قبحه وامتناعه من الله ولا يصلح