وروى المدائني في كتاب الأحداث وقال :
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمّة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ، وكان أشدّ البلاء حينئذ أهل الكوفة (١).
وفي هذا السبيل قتل حجر بن عدي وأصحابه صبرا ، وقتل وصلب رشيد الهجري وميثم التمار.
هكذا خنق خلفاء الجور أنفاس الصحابة والتابعين وقضت على من خالف سياستهم ، وفي مقابل ذلك فتحت الباب لآخرين أن يتحدثوا بين المسلمين كما يشاءون.
وبالجملة : فإن منع أبي هريرة من كتابة الحديث كان خوفا من المانعين من أن يبوح أبو هريرة بفضائل آل البيت ويذم بأعدائهم ، لا سيّما وأن أبا هريرة يتجه إلى الناحية التي يميل إليها طبعه وتتفق مع هوى نفسه ، وقد عرفنا سابقا أنه صحب النبيّ لملء بطنه ، لذا لم يبرز نجمه في عهدي أبي بكر وعمر اللذين كانا يتظاهران بالزهد ، بخلاف عثمان المعروف بالبذخ والسخاء على ذويه وأقاربه ، فأخذ أبو هريرة يظهر في زمن عثمان بعد انزوائه ، ويبدو للناس بعد خفائه ، ثم لمع نجمه في عهد معاوية الذي يملك من أسباب السلطان والترف والمال والنعيم ما لا يملكه أحد سواه يوم ذاك ، وليس بغريب على من نشأ نشأة أبي هريرة وعاش عيشته ، أن يتنكب الطريق التي تؤدي إلى الإمام عليّ ، وأن يتخذ سبيله إلى معاوية ليشبع نهمه من ألوان موائده الشهية ، ويقضي وطره من رفده وصلاته وعطاياه السنية.
وإذا كان قد بلغ من فاقة أبي هريرة وجوعه أن يخرّ مغشيا عليه ، فيضع الناس أرجلهم على عنقه! فهل تراه يدع دولة بين أمية ذات السلطان العريض والأطعمة الناعمة ، وينقلب إلى الإمام عليّ الزاهد الفقير الذي كان طعامه خبز الشعير؟!
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ / ١٥ ، ط / البابي الحلبي.