إن هذا لمما تأباه الطباع ولا يتفق والغرائز النفسية! اللهم إلا من عصم ربك ، وقليل ما هم.
ولقد عرف بنو أمية صنيعه معهم ، وقدروا موالاته لهم ، فأغدقوا عليه من إفضالهم ، وغمروه برفدهم وأعطيتهم ، فلم يلبث أن تحوّل حاله من ضيق إلى سعة ، ومن شظف العيش إلى دعة ، ومن فقر إلى ثراء ، وبعد أن كان يستر جسمه بنمرة بالية ، صار يلبس الخز والكتان الممشق.
وكانت أول لفتة من عين الأمويين إلى أبي هريرة لقاء مناصرته إياهم أن ولاه بسر بن أرطاة على المدينة بعد أن بعثه معاوية إلى أهل الحجاز يفعل فعلاته بهم وبأموالهم وذراريهم ، وكذلك كان مروان ينيبه عنه على ولاية المدينة ، ثم زادت أياديهم عليه فبنوا له قصرا بالعقيق وأقطعوه أرضا بالعقيق وبذي الحليفة ، ولم يكتفوا بذلك بل زوجوه بسرة بنت غزوان أخت الأمير عتبة بن غزوان وهي التي كان يخدمها أيام عريه وفقره بطعام بطنه.
ولقد استخفه اشره وزهوه ، ونم عليه أصله ونحيزته ، فخرج عن حدود الأدب والوقار مع هذه السيدة الكريمة ، فكان يقول بعد هذا الزواج الذي ما كان ليحلم به : «إني كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني ، فكنت إذا ركبوا سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم ، والآن تزوجتها ، فأنا الآن أركب فإذا نزلت خدمتني!».
ولم يكن ما قدّم أبو هريرة لمعاوية جهادا بسيفه أو بماله ، وإنما كان جهاده أحاديث ينشرها بين المسلمين يخذل بها أنصار الإمام عليّ ويطعن فيها عليه ، ويجعل الناس يبرءون منه ، ويشيد بفضل معاوية ودولته.
ولقد روى أحاديث كثيرة في عثمان ومعاوية وغيرهما ، وهذه الأحاديث من مبتكراته ، روى البيهقي عنه أنه لمّا دخل دار عثمان وهو محصور ، استأذن في الكلام ولمّا أذن له قال : إني سمعت رسول الله يقول : إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا ، فقال له قائل من الناس فمن لنا يا رسول الله؟ أوما تأمرنا؟ فقال : عليكم