قاله كعب عن رسول الله وما قاله رسول الله عن كعب! فاتقوا الله وتحفّظوا في الحديث.
وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلّس ـ أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ، ولا يميّز هذا من هذا ـ ذكره ابن عساكر ـ وكأنّ شعبة يشير بهذا إلى حديث : «من أصبح جنبا فلا صيام له» ، فإنه لما حوقق عليه قال : أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله.
وقال ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث» : ... وكان أبو هريرة يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كذا وإنما سمعه من الثقة عنده فحكاه.
وقال ابن قتيبة أيضا في «تأويل مختلف الحديث» أنه «لما أتى أبو هريرة من الرواية عنه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ما لم يأت بمثله من صحبه من جلّة أصحابه والسابقين الأولين اتهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه» وممن اتّهم أبا هريرة بالكذب : عمر وعثمان وعليّ وغيرهم وبذلك كان ـ كما قال الكاتب الإسلامي الكبير مصطفى صادق الرافعي ـ «أول راوية اتّهم في الإسلام».
ولما قالت له عائشة : إنك لتحدّث حديثا ما سمعته من النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار : إذ قال لها ـ كما رواه ابن سعد والبخاري وابن كثير وغيرهم: شغلك عنه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم المرآة والمكحلة! وفي رواية ـ ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ، ولكن أرى ذلك شغلك!!
على أنه لم يلبث أن عاد فشهد بأنها أعلم منه ، وأن المرآة والمكحلة لم يشغلاها ، ذلك أنه لما روى حديث «من أصبح جنبا فلا صوم له» أنكرت عليه عائشة هذا الحديث فقالت ؛ إن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم ، وبعثت إليه بأن لا يحدّث بهذا الحديث عن رسول الله ،