فلم يسعه إزاء ذلك إلا الإذعان ، وقال : إنها أعلم مني ، وأنا لم أسمعه من النبي وإنما سمعته من الفضل بن العباس ـ فاستشهد ميتا وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، كما قال ابن قتيبة في «تأويل مختلف الحديث».
وكان [الإمام] عليّ سيّئ الرأي فيه ، وقال عنه : إلا أنه أكذب الناس ـ أو قال : أكذب الأحياء على رسول الله لأبو هريرة. ولما سمع أنه يقول : «حدّثني خليلي! ...» قال له : متى كان النبي خليلك؟. ولما روى حديث : «متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الإناء ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ـ لم تأخذ به عائشة وقالت : كيف نصنع بالمهراس؟
ولما سمع الزبير أحاديثه قال : صدق ، كذب.
وعن أبي حسان الأعرج أنّ رجلين دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم «إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار» فطارت شفقا ثم قالت : كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ، من حدّث بهذا عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم! إنما قال رسول الله «كان أهل الجاهلية يقولون : إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار» ، ثم قرأت : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها)(١).
وأنكر عليه ابن مسعود قوله : «من غسّل ميتا ، ومن حمله فليتوضأ ـ وقال فيه قولا شديدا ثم قال : يا أيها الناس لا تنجسوا من موتاكم.
وروى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال : أقلد من كان من القضاة المفتين من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعبادلة الثلاثة ولا أستجيز خلافهم برأيي إلا ثلاثة نفر (أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب) فقيل له في ذلك فقال : أما أنس فاختلط في آخر عمره وكان يستفتى فيفتي من عقله ، وأنا
__________________
(١) سورة الحديد : ٢٢.