فإنكار وجود المتشابه بحجة أن القرآن كتاب هداية لا يصلح علاجا لواقعية لا محيص عنها ، نعم لا يصطدم وجود المتشابه في القرآن مع كونه كتاب هداية لعموم المكلّفين وذلك لأمرين :
الأول : ضآلة جانب المتشابه ، بحيث كان الطريق أمام المستهدين بهدى القرآن الكريم فسيحا جدا.
الثاني : هداية الكتاب تعني كونه المصدر الأول للتشريع وتنظيم الحياة العامة ، وهذا لا يعني إمكان مراجعة الأفراد ـ بالذات ـ للقرآن في جميع أحكامه وتشريعاته ، إذ لمثل ذلك اختصاصيون يعرفون من الكتاب ما لا تعرفه العامة ، وهم يشكّلون قيادة الأمة على هدى الكتاب ، وبذلك أصبح القرآن مصباحا ينير درب الحياة على ركب الإنسانية بشكل عام.
فالآي المتشابهة متشابهة بالذات ، وإنما يعرف الراسخون في العلم تأويلها الصحيح ، بفضل جهودهم وتعمّقهم في أغوار هذا الدين ، ليستنبطوا من كنوزه المستورة لئالي وهّاجة تبهر العقول.
والسر في وجود المتشابه في القرآن مع أنه كتاب هداية يرجع إلى أمور ، منها :
١ ـ إن الأحاديث (١) الشريفة المتواترة دلت على أن القرآن بآياته بحاجة إلى تفسير من أهل بيت النبوة ، وذلك لمواكبة القرآن لكل العصور والأزمنة ، فكل إمام يتولّى تفسير كل آية بما يناسب عصره ، لكون القرآن كتاب هداية ، تشمل هدايته القرون والأجيال.
٢ ـ إن الأمم لا بدّ أن تدين بالإسلام في كل زمان ومكان ومن أي لسان ، وعليها أن تتعلم القرآن ، وهذا التعليم يختلف حسب اختلاف المترجمين والمفسرين ، ودرجات علومهم وحلومهم ، ومعارف عصورهم ، ولا بدّ لهم أن
__________________
(١) كأخبار ربط القرآن بالعترة لا يفترقان حتى يردا الحوض ، وخبر السفينة وما شابه ذلك.