وروى البلاذري :
إن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة ، وكان مغموصا عليه في دينه ، فكان يمرّ خلف رسول الله فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلّى قام خلفه فأشار بأصابعه ، فبقي على تخليجه وأصابته خبلة ، واطّلع على رسول الله ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذا الوزغة اللعين؟ ثم قال : لا يساكنني ولا ولده فغرّبهم جميعا إلى الطائف ، فلما قبض رسول الله كلّم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردّهم فأبى ذلك ، وقال : ما كنت لآوي طرداء رسول الله ، ثم لمّا استخلف عمر كلّمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر ، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال : قد كنت كلّمت رسول الله فيهم وسألته ردّهم فوعدني أن يأذن لهم فقبض قبل ذلك ، فأنكر المسلمون عليه إدخاله إياهم المدينة (١).
وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان :
سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدّك «أبي العاص بن أمية» إنكم الشجرة الملعونة في القرآن (٢).
وقالت عائشة لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه ، فأنت بعض من لعنه الله ، ثم قالت : والشجرة الملعونة في القرآن.
وهلمّ نسائل عثمان في إيواء لعين رسول الله وطريده (الحكم) وبمسمع منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوة عليه وعلى من تناصل منه عدا المؤمنين ، وقليل ما هم ، ما هو المبرّر لعمله هذا وردّه إلى مدينة الرسول؟ وقد طرده رسول الله وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأمويّة ،
__________________
(١) الأنساب ج ٥ / ٢٧.
(٢) الدر المنثور ج ٤ / ١٩١ وسيرة الحلبي ج ١ / ٣٣٧.