وقد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يردّاه فقال كل منهما : لا أحلّ عقدة عقدها رسول الله (١).
ألم تكن للخليفة أسوة في رسول الله؟ والله يقول : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢).
أو كان قومه وحامّته أحبّ إليه من الله ورسوله؟ ثم ما هو المبرّر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين وأعطياتهم؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة ، واللعين لا يكون ثقة ولا أمينا.
ثم نسائل الخليفة عثمان على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السنّة أنها تقسّط على فقراء المحلّ وعليها أتت الأقوال ، قال أبو عبيد : والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها : إن أهل كل بلد من البلدان ، أو ماء من المياه أحقّ بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك ، بذلك جاءت الأحاديث مفسرة» (٣).
ألم يكن في قضاعة ذو حاجة فيعطى؟ أو لم يكن في المدينة الطيبة من فقراء المسلمين أحد فيقسّم ذلك المال الطائل بينهم بالسوية؟ وإنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ، فتخصيصها للحكم لما ذا؟
وهلمّ معي إلى المسكين صاحب المال تؤخذ منه الصدقات شاء أو أبى وهو يعلم مصبّ تلكم الأموال ومدرّها من أيدي اولئك الجبابرة أو الجباة أصحاب الجباه السود نظراء الحكم ومروان والوليد وسعيد وما يرتكبونه من فجور ومجون ، وبعد لم ينقطع من أذنه صدى ما ارتكبه خالد بن الوليد سيف الشيطان المسلول مع مالك بن نويرة وحليلته وذويه وما يملكه ، وكان يسمع من وحي الكتاب قوله
__________________
(١) الأنساب للبلاذري ج ٢ / ٢٧ والرياض النضرة ج ٢ / ١٤٣ وأسد الغابة ج ٢ / ٣٥.
(٢) سورة الأحزاب : ٢١.
(٣) الأموال : ص ٥٩٦.