المستند إلى لفيف من أخبار آحاد زعموها صحيحة الإسناد ، وهذا إيثار لكرامة القرآن على حساب روايات لا حجية فيها في هذا المجال ، وإن فرضت صحيحة الإسناد في مصطلحهم ، إذ صحة السند إنما تجدي من فروع مسائل فقهية ، لا إذا كانت تمسّ كرامة القرآن وتمهّد السبيل لإدخال الشكوك على كتاب المسلمين.
فها هو الشيخ السرخسي أحد أكابر علماء العامة والمحقّق الأصولي الفقيه عندهم ، بينما يشدّد النكير على القائل بالنسخ من النوع الأول ، إذا هو يلتزم به في هذا النوع ، في حين لا يوجد فرق بينهما فيما ذكره من استدلال لبطلان الأول.
قال : «وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فبيانه فيما قال علماؤنا : إن صوم كفارة اليمين ثلاثة أيام متتابعة ، بقراءة ابن مسعود : «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وقد كانت هذه قراءة مشهورة إلى زمن أبي حنيفة ، ولكن لم يوجد فيها النقل المتواتر الذي يثبت بمثله القرآن ، وابن مسعود لا يشك في عدالته وإتقانه ، فلا وجه لذلك إلّا أن نقول : كان ذلك مما يتلى في القرآن ـ كما حفظه ابن مسعود ـ ثم انتسخت تلاوته في حياة رسول الله بصرف القلوب عن حفظها إلا قلب ابن مسعود ليكون الحكم باقيا بنقله ، فإن خبر الواحد موجب للعمل به ، وقراءته لا تكون دون روايته ، فكان بقاء هذا الحكم بعد نسخ التلاوة بهذا الطريق» (١).
وقد وافقه الرأي ثلة من محققي العامة كابن حزم الأندلسي فقال : «فأما قول من لا يرى الرجم أصلا فقول مرغوب عنه ، لأنه خلاف الثابت عن رسول الله وقد كان نزل به قرآن ، ولكنه نسخ لفظه وبقى حكمه ، ـ ثم يروى عن سفيان عن عاصم عن زر ـ قال : قال لي أبي بن كعب: كم تعدون سورة الأحزاب؟ قلت : أما ثلاثا وسبعين آية أو أربعا وسبعين آية. قال : إن كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها ، وإن كان فيها لآية الرجم. قلت : أبا المنذر ، وما آية الرجم؟ قال : [إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم].
__________________
(١) أصول السرخسي ج ٢ / ٨١.