«أراد بآية الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه ، وقد نسخ حكم دون اللفظ وقد وقع نسخهما جميعا ، فما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن في تحريمه على الجنب ونحو ذلك ، وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة أن المنسوخ لا يكتب في المصحف وفي إعلان عمر بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل على ثبوت الرجم ، وقد يستدل به على أنه لا يجلد مع الرجم وقد تمتنع دلالته لأنه لم يتعرض للجلد وقد ثبت في القرآن والسنة» (١).
حتى أنه ـ أي النووي ـ عدّ ذلك من كرامات عمر بن الخطاب (٢).
هذا .. وقد أكثر جلال الدين السيوطي (٣) الأمثلة على النوع واستشهد بروايات ساقطة لإثبات صحة مدّعاه وقد نقلنا فيما تقدّم شيئا منها ؛ وكذا من قبله شيخه بدر الدين الزركشي ، وقد أخذها بعض الكتّاب المحدثين أدلة قاطعة من غير تحقيق أمثال الزرقاني في مناهل العرفان حيث عدّ وقوع هذين النوعين من الواضحات لأن الوقوع أعظم دليل على الجواز كما هو مقرر ، كما أنه عدّ عدم القول بوقوعهما من مخترعات المعتزلة القائلين بحجية العقل في مسائل كهذه.
وبالجملة : فما تقدّم عن عمر بن الخطاب من زعمه أن آية الرجم كانت موجودة ، ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، لا يصلح للدليلية على صحة النسخ القرآني لكونه أحد أبرز مصاديق التحريف الذي يتظاهر علماء العامة بعدمه ، ثم ينسبونه إلى الإمامية ، والإمامية منه براء.
نعم قد تقدّم أن عمر بن الخطّاب أتى بآية الرجم وادّعى أنها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون ، لأن نقل هذه الآية المزعومة كان منحصرا به ، ولم يثبتوها
__________________
(١) شرح النووي في هامش صحيح مسلم ج ١١ / ١٥٩.
(٢) نفس المصدر ص ١٦٠.
(٣) راجع : الاتقان ج ٢ / ٥٢ ـ ٥٣.