ولعله لم يرد ما هو الظاهر من كلامه ؛ بل لعله أراد به أن الصفات لا تدرك على حيالها عند فرض قيامها بالمحل ؛ بل المحل يدرك على (١) سواده ، وبياضه.
والّذي يخص إبطال مذهب من يرى أن المرئى ليس غير الألوان (٢) أمور ثلاثة :
الأول : أن كل عاقل يعلم من نفسه رؤية أشكال الأجسام ، ومقاديرها. كما يعلم من نفسه رؤية ألوانها. ولو ساغ إنكار ذلك ؛ لساغ إنكار رؤية الألوان ؛ لعدم الفرق.
الثانى : أنا ندرك بالضرورة كون الأجسام في بعض الجهات دون البعض ؛ وليس ذلك من الألوان في شيء.
الثالث : هو أنا ندرك وجود الأجسام المقبلة على بعد ، ولا ندرك ألوانها إلا على قرب ؛ والمدرك غير ما ليس بمدرك.
وأما أن الهواء مرئى : فلا يخفى جوازه إن صح أن المصحح للرؤية هو الوجود ؛ إذ هو موجود.
وأما أنه مرئى في وقتنا هذا : فقد استدل عليه بما نراه من اختلاف الأحوال عند طلوع الشمس ، وغروبها ، وانبساط شعاع الشمس على الأرض ، وتقلص الظل إلى ما قبل (٣) الزوال ، وازدياد الفيء فيما بعد الزوال ؛ مع بقاء الأرض على لونها في جميع الأحوال.
وإذا ثبت اختلاف الألوان في هذه الأحوال ، وتعذر عوده إلى لون الأرض ؛ لبقائها مع اختلاف الأحوال على ما هى عليه من اللون المرئى لنا ؛ تعين عوده إلى الهواء. وعلى حسب شروق النير على الهواء وغروبه. يرى الهواء تارة مضيئا ، وتارة مظلما. وهذا دليل على أن لون الهواء لذاته (٤) أسود مظلم ، وما له من الإضاءة ؛ إنما هو بسبب شروق الشمس عليه ، أو غيرها من النيرات.
__________________
(١) ساقط من ب.
(٢) هم الكرامية وبعض المعتزلة.
(٣) فى ب (وقت).
(٤) فى ب (بذاته).