وعند ذلك فيجب حمله على مطلق النظر ؛ إذ هو المفهوم منه.
وأما اعتبار الشروط ، وعدم اعتبارها ؛ فمأخوذ من الدليل العقلى ؛ وقد أبطلنا كل ما قيل فيه.
قولهم : وإن كان النظر حقيقة في مطلق الرؤية ، فيجب تأويله.
قلنا : الأصل إنما هو العمل باللفظ في حقيقته إلا أن يدل عليه دليل.
وقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١). لا يدل على أن البارى ـ تعالى ـ غير مرئى إلا أن يكون الإدراك هو الرؤية.
ونحن إن سلكنا مذهب كثير من أئمتنا : كالقلانسى ، وعبد الله بن سعيد ، وغيره (٢) : وهو أن الله ـ تعالى ـ يرى ، ولا يدرك ؛ إذ الإدراك ينبئ عن اللحوق ، والإحاطة بالمدرك ، وتقديره ، وتحديده ؛ فقد اندفع الإشكال.
وإن سلكنا مسلك الشيخ أبى الحسن : من أن الإدراك بالرؤية ، هو الرؤية فنقول : إن نفى الإدراك عن الأبصار : إما أن يكون محمولا على نفيه عن الكل جملة ، أو عن البعض دون البعض ، أو عن كل واحد ، واحد. لا سبيل إلى نفيه عن كل واحد واحد ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه.
وإن كان الأول ، والثانى ؛ فهو (٣) مسلم (٣) ؛ ولكن لا يلزم منه أن لا يكون مدركا في الجملة ؛ فإن نفى الإدراك عن الأبصار جملة ، لا يوجب النفى عن كل واحد ، واحد ، وكذلك النفى عن البعض ؛ لا يوجب النفى عن الباقى. ثم وان سلمنا أنه أراد به كل واحد ، واحد من الأبصار ؛ فنحن نقول به أيضا : فإن المدرك عندنا (٤) للبارى إنما هم المدركون دور الأبصار ، لا نفس الأبصار (٤).
فان قيل : فكما أن الأبصار لا تدركه ؛ فكذلك لا تدرك غيره (٥) ؛ فلا فائدة في التخصيص (٥).
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ / ١٠٣.
(٢) انظر ما سبق ل ١٢٥ / أ.
(٣) فى ب (فمسلم).
(٤) فى ب (للبارى تعالى عندنا إنما هو المدركون وهم نفس ذوات الأبصار لا الأبصار).
(٥) فى ب (غيرها ولا فائدة للتخصيص).