وإن سلم أنه نظرى ؛ لكن ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ؛ وذلك أنا لو قدرنا شخصا وقف فى طرف العالم الّذي قلتم بتناهيه ، ورمى سهما فإما أن يصح نفوذه خارجا عن الحد المفروض الانتهاء عنده ، أو لا يصح ذلك.
فإن كان الأول : فقد لزم البعد. وعلى هذا أبدا.
وإن كان الثانى : فإما أن يكون وراء العالم مانع يمنع من النفوذ ، أو لا يكون.
فإن قدر المانع ؛ فثم ملاء وليس لا شيء وراء العالم.
وإن لم يكن ثم مانع ، فالقول بعدم تصور النفوذ ممتنع.
وإن نفذ ؛ فقد لزم البعد. والبعد إما جسم ، أو عرض. والعرض لا يقوم بنفسه ؛ فلا بد وأن يقوم بموضوع هو الجسم.
قلنا : القول بعدم النهاية ليس ضروريا ؛ ليلزم ما ذكرتموه ، بل غايته ارتياد الأوهام إلى ذلك ، وحكم الوهم (١) لا يقضى به على حكم العقل بل العقل حاكم ببطلان أحكام الأوهام ، وقاض بفسادها ، وإن كانت الأوهام ربما أثرت فى حس بعض العوام تأثيرا يقوى على حكم العقل عنده ، كمن يحكم على البارى تعالى بكونه جسما (٢) ، مشار إليه ، وإلى جهته اتباعا لوهمه ، وتركا لمقتضى عقله ، بناء على ما رآه شاهدا ، وكمن ينفر عن العسل إذا شبه بالعذرة ، أو عن المبيت فى بيت فيه ميت ، خيفة تحركه مع قطعه بأن ما ينفر عنه عسل ، وأن الميت لا حركة له ، ولكن ذلك غير معول عليه فى المحسوسات ، والقضايا العقليات.
وأما عدم نفوذ السهم فيما وراء العالم ، إنما كان لعدم القابل ، وذلك لا يدل على أن وراء العالم شيء ؛ فإن عدم القابل ليس بشيء.
__________________
(١) الوهم : عرف الآمدي الوهميات فقال : «وأما الوهميات فما أوجب التصديق بها قوة الوهم. إلا أن ما كان منها فى غير المحسوس ؛ فكاذب ؛ كالحكم بأن كل موجود مشار إلى جهته أخذا من المحسوس» [المبين للآمدى ص ٩٢].
(٢) الجسم : عرفه الآمدي فقال : «وأما الجسم : فعبارة عن المؤتلف عن جوهرين فردين فصاعدا» [المبين للآمدى ص ١١٠].