وإن سلمنا إمكان تأثير كل واحد من العناصر فى ضعف كيفية الآخر ؛ ولكن لا نسلم تصور حصول المزاج عن هذا التفاعل ؛ وذلك لأن المزاج كيفية حادثة من تفاعل كيفيات العناصر كما ذكروه. وهو إما أن يكون قائما بكل واحد من العنصرين ، أو بهما.
لا جائز أن يقال بالأول : / فإن كل واحد من العناصر ، لا يوصف بمزاج ، إنما المزاج صفة للمتزج من العناصر على أصلهم.
ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا كان العرض الواحد قائما بمحلين ؛ وهو ممتنع.
وإن سلمنا تصور وجود المزاج ؛ فلا نسلم تصور وجود الصّور الجوهرية النوعية التابعة للمزاج ؛ لأنه لا يخلو : إما أن يقال بأن العناصر عند الامتزاج تخلع صورها وتتحد هيولاها مكتسبة لصورة أخرى ، أو لا يقال بذلك
فإن كان الأول : فهو ممتنع لوجهين :
الأول : أنه لو بطلت صور العناصر بالامتزاج : فإما أن يبطل كل واحد بذاته ، أو بالآخر ، أو بأمر خارج.
فإن كان الأول : فهو محال ؛ وإلا لما زال باطلا.
وإن كان الثانى : لزم أن يكون كل واحد متأخرا عن الآخر فى الوجود ، ومتقدما فى العدم ؛ وهو محال.
وإن كان الثالث : فإما أن يستقل ذلك الخارج بالإبطال ، أو لا يستقل دون الامتزاج.
فإن كان الأول : فلا حاجة إلى الامتزاج ؛ وهو خلاف أصلهم.
وإن كان الثانى : فكل واحد له مدخل فى إبطال صورة الآخر ، والمحال السابق لازم بعينه.
الثانى : أنه كان يلزم أن لا يكون تأثير النار فى شيء من المركبات مختلفا بتميز البعض منه إلى متحيز لا ثبات له ، وإلى ثابت أرضى ؛ ضرورة تشابه أجزائه وهو خلاف أصلهم ، وما هو المحسوس.
وأما إن قيل : إن العناصر لا تخلع صورها ؛ بل هى باقية بحالها. فكل واحد من العناصر عند الامتزاج : إما أن يكون قد داخل الآخر ، أو هو فى حيّزة مماسا للآخر فى حيزه.