قالوا : وإذا كانت متحددة ؛ فيمتنع أن تكون متحركة لوجهين :
الأول : أنه قد ثبت أن المحيط لا بدّ وأن يكون متبدل الأوضاع. وتبدل أوضاعه ليس بسبب نسبة أجزائه إلى ما هو خارج عنه ؛ إذ ليس وراءه شيء ؛ ضرورة تناهى أبعاد العالم كما سبق (١).
فلم يبق إلا أن يكون ذلك بسبب نسبته إلى محويّه ، ويجب أن يكون المحوى ساكنا ، وإلا لما كانت أوضاع المحيط متبدلة.
الثانى : أنها لو / كانت متحركة إما أن تكون كيف اتفق صعودا ، وهبوطا ، أو أنها متحركة إلى جهة واحدة دائما ، أو متحركة دورا على مركز نفسها.
لا جائز أن يقال بالأول : إذ الجسم لا بد له من حيز طبيعى ، وتحركه عنه لا يكون إلا قسرا ، وليس شيء من العناصر مما يقوى على تحريك الأرض عن حيزها ؛ كما سبق.
وإن كان الثانى : لزم منه أن تكون الأبعاد غير متناهية ؛ وهو باطل ؛ لما سبق (٢).
وإن كان الثالث : فهو باطل من وجهين :
الأول : أنه يلزم من ذلك أن تكون الحصاة إذا ألقيت من شاهق أن لا تنزل على عمود ؛ بل منحرفة.
الثانى : أنه يلزم منه أن يكون بعد مسقط السهم إذا رمى إلى جهة حركة الأرض ؛ أقرب من بعد مسقطه إذا رمى إلى خلاف جهة حركتها ؛ وهو خلاف المحسوس.
وطريق مناقضتهم أن يقال : ما ذكرتموه فى امتناع تعدد الأرض إنما يصح ... أن لو قيل : بأن كل جسم فلا بد له من حيز طبيعى ؛ وقد أبطلناه (٣).
وإن سلم ذلك ؛ ولكن ما المانع أن يكون مدفوعا عنه بقسر الفاعل المختار ؛ لا بقسر عنصر آخر له عنه (٤).
__________________
(١) راجع ما سبق ل ٢١ / ب وما بعدها.
(٢) راجع ما سبق فى الفصل الثانى : فى أن أبعاد الأجسام متناهية ل ٢١ / ب وما بعدها.
(٣) راجع ما مر فى الفصل الخامس : فى إبطال قول الفلاسفة إنه ما من جسم إلا وفيه مبدأ حركة طبيعية ، ومناقضهم فى ذلك ل ٣٠ / أ.
(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ل ٢١١ / ب وما بعدها.