فلو كان حصول ذلك الجوهر فى حيّزه معللا بعرض قائم به ؛ لكان حصول ذلك الجوهر فى ذلك الحيّز ؛ تبعا لقيام ذلك المعنى به نظرا إلى أن المعلول تبع للعلة ؛ وهو دور ممتنع.
ويمكن أن يجاب عنه : بأن العرض وإن كان فى الحيّز تبعا لمحله فيه ؛ فحصول الجوهر فى ذلك الحيز ليس تبعا لحصول ذلك العرض فى ذلك الحيز ؛ ليلزم الدور ؛ بل تبعا له من جهة كونه علة مخصصة له بذلك الحيز.
ومع اختلاف جهة التوقف ؛ فلا دور.
وأما مذهب الأستاذ أبى إسحاق : فإنما يصح أن لو امتنع أن يكون المخصص للعرض بمحله فاعلا مختارا ؛ كما ذهب إليه الأصحاب ، والقول بامتناعه غير ضرورى والنظرى ؛ فلا بد له من دليل ؛ ولا دليل.
كيف وأنه لو جاز أن يكون المخصص للعرض بمحله ذاته وأن المغايرة بين المتخصص ، والمخصص غير مشترطة. فما المانع أن يكون اختصاص الجوهر ببعض الأحياز أيضا لذاته ؛ لا لكون زائد عليه.
ولو قيل له : ما الفرق لم يجد إليه سبيلا.
وأما المذهب الثالث : القائل بأن الكون وراء الحركة والسكون ، والاجتماع ، والافتراق ؛ فإنما يصح أن لو استدعى حصول الجوهر فى المكان أو بتقدير المكان كونا يخصصه به
وما المانع أن يكون المخصص له بذلك فاعلا مختارا ؛ كما سبق (١).
وإن سلم أنه لا بد فيه من كون يخصصه بالمكان ، أو تقدير المكان ، فلم قال : إنه خارج عن الحركة ، والسكون ، والاجتماع والافتراق ؛ مع أن العلم به غير ضرورى ، ولا دلّ عليه دليل والجوهر المفروض فى أول زمان حدوثه ،
فقد قال القاضى فيه إنه وإن لم تتحقق فيه الحركة ، والاجتماع والافتراق ؛ ففيه كون هو السكون.
__________________
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ المسألة الثالثة ل ٦٤ / ب وما بعدها.