وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجود المكان ، إلا أنه معارض بما يدل على عدمه.
وبيانه أنه لا يخلو : إما أن يكون المفهوم من المكان عدما ، أو وجودا.
فإن كان عدما : امتنع أن يضاف الجوهر الموجود بأنه فيه.
وإن كان وجودا : فإما أن يكون جوهرا ، أو عرضا.
فإن كان جوهرا : فإما معقول ، أو محسوس.
لا جائز أن يكون من الجواهر المعقولة ؛
إذ لا إشارة إليها ، ولا وضع لها. وما هذا شانه ؛ فلا يوصف بأنه متصل بالجسم المحسوس ، ولا منفصل عنه.
والمكان عند القائل / متصف باتصاله بالجسم المتمكن فيه تارة وبانفصاله عنه تارة.
ولا جائز أن يكون جوهرا محسوسا : لأنه إما أن يكون جسما ، أو لا يكون جسما
لا جائز أن يكون جسما ؛ وإلا لاستدعى مكانا آخر. ومكانه إما المتمكن فيه ، أو غيره.
فإن كان الأول : فهو دور.
وإن كان الثانى : فهو تسلسل ممتنع.
ولا جائز أن لا يكون جسما : فإن الجوهر المحسوس إما أن يكون مركبا أو غير مركب.
لا جائز أن يكون غير مركب : إذ هو مطابق للجسم المركب ، والمطابق للمركب لا يكون الا مركبا.
وإن كان مركبا : فهو الجسم ، ويعود القسم الّذي قبله.
وإن كان عرضا : فلا بد له من موضوع يقوم به ، ويحل فيه ، ولو حلّ المكان فى محل لاشتق له منه اسم ، وعاد إليه منه حكم وقيل له متمكن كما يقال لموضوع السواد مسودا ، وموضوع البياض مبيضا ؛ ويلزم من ذلك أن يكون المكان عرضا قائما بالمتمكن.