وقد احتج القائل. أما على إثباته : فإنا لو فرضنا عدم الملاء فيما بين السماء والأرض ، ورفعناه عن الذهن ؛ فإنا لا نشك فى أن بين السماء ، والأرض بعدا لو فرضت فيه الأجسام ؛ لملأته ويمكن نفوذه : كالسهم وغيره.
وأما على كونه مكانا للأجسام ؛ فمن وجهين :
الأول : أنه إذا لم يكن الجسم متحركا عن مكانه ؛ فهو ساكن فيه. فلو لم يكن مكان الجسم هو الأبعاد بالتفسير المذكور ؛ بل السطح الحاوى ، أو الجسم المحيط ؛ لكان الجسم المستقر فى قعر الماء الجارى ، والواقف فى الهواء السيال لتبدل المحيط به وتجدده مما يمنع عليه أن يكون متحركا لوقوفه ، وأن يكون ساكنا مع تبدل مكانه ؛ وذلك محال بخلاف ما إذا كان المكان هو الأبعاد المذكورة.
الثانى : أنه لو لم يكن المكان هو الخلاء بالتفسير المذكور ؛ لكان لكل جسم مكان ؛ ضرورة تناهى الأجسام.
وأما النافي لذلك ؛ فإنه قال : البعد المفروض : إما أن يكون وجوديا ، أو عدميا.
فإن كان وجوديا : فإما أن يكون غير متناه ، أو متناه.
فإن كان الأول : فهو محال ؛ لما تقدم فى تناهى الأبعاد (١).
وإن كان متناهيا : فإما أن يكون قائما بنفسه ، أو لا يكون / قائما بنفسه.
فإن كان قائما بنفسه : فهو جوهر. وإن لم يسم باسم الجوهر.
وهو إما أن يكون محسوسا ، أو غير محسوس.
فإن كان محسوسا : فهو متجزئ ؛ ضرورة مطابقته للجسم المتجزئ وهو المعنى بالجسم. فإن لم يسم باسم الجسم ؛ فيكون المكان بهذا الاعتبار جسم لا غيره.
وإن لم يكن محسوسا ؛ بل معقولا محضا : فلا يكون واقعا فى امتداد الإشارة إليه ؛ ولا يصح اتصاف الجسم المحسوس بكونه فيه ، ومتصلا به ومنفصلا عنه ؛ وليس المكان كذلك ؛ على ما سبق (٢).
__________________
(١) راجع ما سبق فى النوع الثالث ـ الفصل الثانى : فى أن أبعاد الأجسام متناهية ل ٢١ / ب وما بعدها.
(٢) راجع ما سبق ل ٤٩ / ب وما بعدها.