ولا يلزم من اشتراك المكان والصورة فى أن كل واحد منهما حاو أن تكون صورة الجسم مكانا ؛ لما حققناه فى الهيولى (١).
كيف وأن المكان ليس مطلق حاو ؛ بل ما كان حاويا منفصلا عن المحوى ؛ وليست الصورة كذلك.
وأما المذهب الخامس : القائل بأن المكان هو الأبعاد التى بين غايات الجسم فمردود / من جهة أن المكان مما يصح الانتقال عنه ، وإليه والأبعاد التى هى غايات الجسم ليس كذلك ؛ إذ هى ملازمة للجسم غير مفارقة له.
كيف وأنا لا نسلم أن تلك الأبعاد خارجة عن الجواهر المتصلة التى هى طرف الجسم ، وهى جزء منه ؛ وجزء الشيء لا يكون مكانا للشىء على ما تقدم.
وعلى هذا : فقد بطل المذهب الخامس أيضا.
وأما المذهب السادس : القائل بأن المكان هو الخلاء فالنظر فيه يتوقف على تحقيق الخلاء (٢) وبيان معناه.
والخلاء : قد يطلق بمعنى عدم الملاء ، فيكون عدما صرفا ؛ كما حققناه فيما وراء كرة العالم.
وعلى هذا : فلا يكون الخلاء بهذا الاعتبار مكانا للجسم ؛ إذ المكان ما يمكن الإشارة إليه ؛ فإنه يصح أن يقال : الجسم فى هذا المكان ، والعدم المحض لا إشارة إليه.
ولأن المكان مما يصح أن يوصف الجسم بأنه فيه ، وأنه منتقل عنه وإليه ؛ وذلك غير متصور فى العدم المحض.
كيف وأن الخلاء بهذا الاعتبار ما لم يعرف قائلا قال بكونه مكانا للجسم.
وقد يطلق الخلاء ويراد به البعد القائم لا فى محل من شأنه أن تتعاقب عليه الأجسام وتملأه ، والخلاء بهذا الاعتبار مختلف فى إثباته ، وفى كونه مكانا.
__________________
(١) راجع ما مر فى النوع الثالث : فى الجسم وأحكامه. الفصل الأول : فى تحقيق معنى الجسم ل ١٦ / ب وما بعدها.
(٢) عرف الآمدي الخلاء فقال : «وأما الخلاء : فعبارة عن بعد قائم لا فى مادة من شأنه أن يملأه الجرم.