فلو اشترط فى التأليف الرطوبة ، واليبوسة ، والبيّنة المخصوصة ؛ لكان على خلاف هذا الأصل :
وأمّا من قال بالاشتراط : فقد احتج بأن التأليف المتولد عن المجاورة مما يصعب فكه ، وتحويره.
والمجاورة من غير رطوبة ، ولا يبوسة مما لا يتحقق معها هذا التأليف ويتحقق مع الرطوبة ، واليبوسة ؛ فقد دار التأليف معها وجودا وعدما ؛ فكانت شرطا فيه.
وهذا تفريع منهم على أن التأليف ، غير المجاورة ، وأنه متولد عن المجاورة ؛ وهو فاسد على ما سبق.
وبتقدير تسليم ذلك جدلا ؛ فما ذكروه من الحجج مدخوله.
أما الحجة الأولى : للنافين
فلقائل أن يقول : وما المانع أن يكون ذلك شرطا فى الابتداء دون الدوام ؛ كما فى القدرة مع المقدور ؛ فإنه يشترط / تعلقها به عندكم قبل وجوده من ابتداء وجوده ، وأنه يشترط ذلك فى دوامه.
وأما الحجة الثانية : فهى باطلة بالمجاورة.
فإنها مشترطة فى التأليف عندهم ؛
ومع هذا فإن المجاورة القائمة بكل واحد من الجوهرين لا تتعداه إلى مجاوره.
وأما الحجة الثالثة : فيلزمهم عليها سائر الأعراض ، التى شرطوا فيها البيّنة المخصوصة.
قولهم : إنما شرطوا ذلك فيما يثبت حكمه للجملة التى محله منها ؛ فمبنى على فاسد أصولهم ، فى جواز تعدى حكم العرض إلى غير محله ؛ وهو محال كما يأتى.
وإن سلم جواز ذلك ؛ ولكن ما المانع من اشتراط ذلك أيضا فى بعض الأعراض التى لا يتعدى حكمها محلها كما فى التأليف (١).
__________________
(١) التأليف : والتأليف هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد. سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا. فعلى هذا يكون التأليف أهم من الترتيب. [التعريفات للجرجانى ص ٥٩].