الأول : أن لقائل أن يقول : لا نسلم أن كل سفلى إذا أوقدت عليه النار ؛ لا بد وأن يتكلس أو يذوب بدليل اليواقيت.
وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على سابقة الرطوبة. أما فى التكلس : فلا نسلم أنه لا يكون إلا بتفريق الرطوبة ، بل بإزالة التأليف ، والانفصال بعد الاتصال بما يخلقه الله ـ تعالى ـ من الأكوان ويعدمه.
وأما الإذابة : فقد قال الاستاذ أبو اسحاق وغيره ؛ لا نسلم أن المذاب بعد الإذابة رطب ؛ بل هو باق على نفسه وليس إنكار الرطوبة مع الميعان أبعد من دعوى الرطوبة فى الأحجار المحمى عليها.
فلئن قيل : لا معنى للرطوبة غير معنى إذا قام بالجسم ؛ سهل به قبول ذلك الجسم للتشكل بشكل غيره ؛ والحجر بعد إذابته كذلك.
قلنا : فيلزم على هذا أن لا تكون الأحجار الصم المحسوسة الصلابة رطبة ؛ إذ ليست على هذه المثابة ، [وأن لا تكون النار يابسة ، ولا الهواء ؛ وهو خلاف مذهبهم] (١).
وإن سلمنا أن الحجر بعد الإذابة رطب ؛ ولكن ما المانع من أن تكون الرطوبة قد أحدثها الله ـ تعالى ـ بحكم جرى العادة ؛ فلا يكون فى ذلك دليلا على كونها مائعة وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن ما ذكروه غير مطرد فى الأحجار المتكلسة التى أوقدت عليها النار مددا متطاولة ؛ حتى فرقت رطوبتها باعترافه بأنها من ذوات الاعتمادات السفلية اللازمة بدلالة الحس ، ولا رطوبة فيها بموافقة منه.
كيف وأنه قد ناقض أصله فى التأليف ، حيث أنه قال : لا تشترط الرطوبة فى التأليف ؛ لأنه لا يتعدى حكمه محله ، والاعتماد السفلى اللازم كذلك ؛ فالقول باشتراط الرطوبة ، والفرق ؛ تحكم لا حاصل له. على (٢) أنه لو قيل له ما الفرق بين الاعتماد السفلى اللازم ، وبين المجتلب حتى شرطت الرطوبة فى اللازم دون المجتلب ؛ لم يجد إليه سبيلا (٢).
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) من أول قوله : على أنه لو قيل ...... إلى قوله : سبيلا ساقط من ب.