المسلك الثالث :
أنهم قالوا : لو جاز قيام عرضين متماثلين فى المحل الواحد ؛ لكان المحل إذا قام به سواد واحد ، قابلا لسواد آخر ؛ فكل عرض يقبله المحل ، لا يخلو عنه ، أو عن ضده فبتقدير عدم السواد الثانى ، وجب أن لا يخلو المحل عن ضده ، وضد السواد المفروض عدمه ؛ وهو أيضا ضد السواد المفروض وجوده ويلزم من ذلك اجتماع السواد ، وضده فى محل واحد ؛ وهو محال ، غير أن هذا المسلك مبنى على القول بأن المحل إذا قبل حكما لا يعرى عنه ، أو عن ضده ، وقد أومأنا إلى إبطاله فى امتناع عرو الجواهر عن الأعراض (١).
وإن سلم ذلك غير أن المسلم امتناع / خلو ذلك المحل عن جنس ذلك العرض ، أو عن ضده ، لا عن ذلك العرض.
والمحل غير خال عن جنسه ؛ وهو السواد الآخر.
فإن قيل : ما ذكرتموه وإن دل على امتناع قيام المتماثلين بمحل واحد ؛ فهو معارض بما يدل على نقيضه.
وهو أنا قد نشاهد الجسم يغمص فى الصبغ ؛ فيعلوه كدرة (٢) ثم كهبة (٣) ، ثم سواد حالك وليس ذلك غير تضاعيف أجزاء السواد.
والجواب : أنا نمنع أن الكدرة ، والكهبة سواد ، بل هى ألوان أجزاء مضادة للسواد ، ولا يتصور بقاء الأول منها مع وجود الثانى.
__________________
(١) راجع ما مر فى الأصل الأول ـ النوع الأول ـ الفصل السابع : فى امتناع تعري الجوهر عن الأعراض وتعليل قبوله لها ل ٨ / ب.
(٢) (الكدرة) : اللون ينحو نحو السواد [المعجم الوسيط باب الكاف].
(٣) الكهبة) : الدهمة ، أو غبرة مشربة سوادا.