الثانى : أن ما قام به علم بشيء ، فإنه يعلم من نفسه كونه عالما به ؛ فلو قام به علم آخر بذلك الشيء مماثل للعلم الأول ، وأوجب له عالمية أخرى ؛ لكان الشخص عالما بعالميته الثانية ، فإنه من المستحيل أن يكون الإنسان عالما ، ولا يعلم كونه عالما. وإن كان الثانى : وهو أن لا يوجب لمحله حكما ، فهو ممتنع ؛ إذ يلزم منه تخلف الحكم مع وجود علته وسنبين أن العلة لا بد وأن تكون مطردة منعكسة (١).
وعلى هذا : إن قلنا : بأن كل صفة توجب لمحلها حكما ؛ فقد اطردت الدلالة فى جميع الأعراض المتماثلة.
وإن خصصنا ذلك ببعض الصفات : كصفات الحى ، والأكوان ، كما قالت المعتزلة : طردنا هذه الدلالة فيها دون غيرها ، هذا كله إذا قلنا بالأحوال ، وإلا فحاصل المسلك يرجع إلى الإلزام.
المسلك الثانى : أن من قام بنفسه علم نظرى بشيء : فإما أن يقال بجواز قيام علم آخر نظرى به ؛ فذلك الشيء مماثل للعلم الأول أو لا يقال بجوازه.
فإن كان الأول : فيلزم منه صحة القول بالنظر فى تحصيل العلم بما هو معلوم ؛ وذلك محال باتفاق العقلاء.
وإن كان الثانى : فقد قيل : بامتناع اجتماع المتماثلين فى المحل الواحد (٢) وتحصيل العلم بما هو معلوم (٢) ؛ وهو المطلوب ؛ وهو قوى جدا.
فإن قيل : وإن امتنع الجمع بين هذين العلمين ؛ فليس ذلك لذاتيهما ؛ بل لاستحالة طلب تحصيل الحاصل ؛ فلا يكون كذلك ؛ لما ذكرتموه.
قلنا : المقصود إنما هو بيان امتناع الجمع بين المثلين ، وإن لم يسم ذلك تضادا] (٣).
__________________
(١) انظر ما سيأتى في الباب الثالث ـ الأصل الثانى ـ الفصل الرابع : فى أن العلة العقلية لا بد وأن تكون مطردة منعكسة ل ١٢١ / ب وما بعدها.
(٢) (وتحصيل العلم بما هو معلوم) ساقط من ب.
(٣) ساقط من أ.