وأما الرد على البصريين فى قولهم :
إن فناء الإعراض الباقية بعدم محالها ؛ وهى الجواهر فمن جهة أن ذلك مبنى على القول ببقاء الأعراض ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (١)
وبتقدير بقاء الأعراض ؛ فليس القول بأن عدمها بعدم محالها ضرورة توقفها على وجود محلها ، أولى من القول بعدم محالها لعدمها ؛ ضرورة استحالة عرو الجواهر عنها كما تقدم ؛ ولا مخلص عنه.
وأما طريق الرد على أبى الهذيل فى قوله :
إن طريق فناء الجواهر إنما هو قوله ـ تعالى ـ للجوهر افن فما هو طريق الرد على من قال بأن الوجود بقوله كن ؛ وقد سبق (٢)
وأما الرد على من قال : بأن عدم الجواهر بخلق ضدها : وهو الفناء ؛ فهو أن يقال :
أما المذهب الأول : القائل : بأن الله ـ تعالى ـ يخلق فى كل جوهر فناء ، يقتضي عدمه فى الزمن الثانى من وجوده فلا يخلو. إما أن يقال : بأن ذلك الفناء يكون موجودا حالة عدم الجوهر ، أو غير موجود.
الأول : محال ؛ لأنه لا وجود له إلا فى الجوهر. والجوهر حالة عدمه غير موجود ، ولا يتصور وجود الفناء الّذي لا وجود له إلا فيه مع عدمه.
وأيضا : فإنّه لو كان ضدا للجوهر ؛ [الّذي اقتضى عدمه ؛ لما تصور قيامه بالجوهر] (٣) ؛ لاستحالة اجتماع الضدين.
وإن كان غير موجود : لزم منه تأثير العدم فى الوجود ؛ وهو محال.
وأما المذهب الثانى القائل :
بأن الفناء المضاد للجوهر قائم لا فى محل. فإما أن يكون جوهرا أو عرضا.
فإن كان جوهرا ؛ فيلزم أن يكون باقيا ، ويكون مفتقرا فى عدمه إلى فناء آخر ؛ وهو تسلسل ممتنع.
__________________
(١) راجع ما سبق فى الأصل الثانى : فى الأعراض وأحكامها ـ الفصل الرابع : فى تجدد الأعراض ، واستحالة بقائها ل ٤٤ / ب وما بعدها.
(٢) راجع ما سبق ل ١٠٣ / أ.
(٣) ساقط من «أ».