وإن سلمنا : امتناع حمل الهلاك على الموت ، غير أنه أمكن أن يكون المراد به خروج كل شيء عن الانتفاع المخصوص به وذلك يتصور بانفكاك التركيب والتأليف
ومنه يقال : هلك فلان ، وهلك كذا : إذا تفرقت أجزاؤه وتأليفه
وإن لم تنعدم أجزاؤه ؛ والأصل فى الاطلاق الحقيقة.
وإن سلمنا : أن المراد بالهلاك : العدم ؛ ولكن إنما يلزم من ذلك عدم كل شيء أن لو كان قوله : كل شيء للعموم ؛ وليس كذلك على ما عرف من أصلنا
بل حمل مثل ذلك على العموم. إنما يكون بالقرائن ؛ ولا نسلم وجودها (١١) / / وبتقدير القرينة : فالتعميم أيضا ممتنع ؛ وإلا لزم من ذلك : فناء الجنة ، وأهلها ، وثواب المؤمنين وعقاب الكافرين ؛ وهو خلاف قاعدة الدين ، ومذهب المسلمين.
وأما قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (١) فغايته الدلالة على كونه آخرا : وهو مطلق. وقد أمكن العمل به فى كونه آخر الأحياء ؛ فلا يبقى حجة فيما عداه.
ولو لا قيام الدليل العقلى على حدوث كل موجود سوى الله ـ تعالى ـ لما كان قوله : هو الأول : محمولا على السبق بالوجود ؛ أولى من غيره وقوله ـ تعالى ـ (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٢) فالضمير وإن كان عائدا إلى الخلق ، غير أن الخلق قد يطلق بمعنى : الإيجاد بعد العدم وقد يطلق بمعنى : الإحياء ، وتأليف الأجزاء بعد التفرق.
ومنه قوله ـ تعالى ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (٣) وقوله ـ تعالى ـ (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٤) وليس المراد به غير الاحياء ، وتأليف الأجزاء.
وعند ذلك : فليس عود الضمير إلى الخلق بمعنى الإيجاد ؛ أولى من عوده إليه بالمعنى الآخر.
وعلى هذا : فلا تكون الآية دالة على سابقة العدم.
__________________
(١١)/ / أول ل ٥٦ / ب من النسخة ب.
(١) سورة الحديد ٥٧ / ٣.
(٢) سورة الروم ٣٠ / ٢٧.
(٣) سورة فاطر ٣٥ / ١١.
(٤) سورة السجدة ٣٢ / ٧.