كيف : وأنه على خلاف المألوف المعروف من أهل اللغة فى قولهم : المعلوم : ينقسم إلى شيء ، وإلى ما ليس بشيء.
ولو استوى الموجود والمعدوم فى إطلاق لفظ الشيء ؛ لما صحت هذه القسمة ؛ لاستحالة وجود واسطة بين الموجود والمعدوم على ما يأتى فى إبطال الأحوال (١).
ولا يمكن أن يقال : إنما صحت القسمة بالنظر إلى المعدوم المستحيل الوجود (٢) ؛ فإنه ليس بشيء بالاتفاق.
وعند هذا : فلا يمتنع إطلاق لفظ الشيء على الموجود والمعدوم الممكن ، وما ليس بشيء على المعدوم المستحيل الوجود (٢).
لأن المعدوم الممكن إن قيل إنه شيء فى نفس الأمر حقيقة ؛ فسيأتى إبطاله عن قرب (٣). وإن / قيل بتسميته شيئا تجوزا واستعارة ، مع كونه ليس شيئا حقيقة ؛ فالأصل عدم التجوز والإطلاق إلا أن يدل الدليل عليه ، والأصل عدمه ؛ فعلى مدعيه بيانه.
فإن قيل : دليل صحة إطلاق اسم الشيء على المعدوم الممكن قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (٤) وقوله ـ تعالى ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٥) سمى زلزلة الساعة والفعل قبل وقوعهما شيئا.
وذلك لا يخرج عن الحقيقة أو التجوز.
قلنا : أما تسمية زلزلة الساعة شيئا : إنما كان بتقدير وقوعها ؛ وهذا على رأى من لا يعترف من البصريين بكون الحركة ثابتة فى العدم أولى من جهة أن الزلزلة حركة على ما لا يخفى.
ومعنى قوله ـ تعالى ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٦) أى فاعل غدا شيئا.
__________________
(١) انظر ما سيأتى من الباب الثالث ـ الأصل الأول : فى الأحوال. ل ١١٤ / أوما بعدها.
(٢) من أول قوله : (فإنه ليس بشيء بالاتفاق ... وما ليس بشيء على المعدوم المستحيل الوجود) مكرر فى النسخة «أ».
(٣) انظر ما سيأتى ل ١٠٨ / ب وما بعدها.
(٤) سورة الحج ٢٢ / ١.
(٥) سورة الكهف ١٨ / ٢٣.
(٦) سورة الكهف ١٨ / ٢٣.