وإذا قلنا : السواد متحقق ومتقرر : كان مفهومه تصديقا. ولا يخفى الافتراق بين المفهومين.
ولو لا أن المفهوم من تقرر الذات يزيد على المفهوم من نفس الذات ؛ لما حصل هذا الفرق
وإذا كان تقرر الذات ، وتحققها خارج الذهن زائدا على الذات ؛ فلا معنى للوجود إلا هذا.
ولهذا : فإنا إذا رأينا جسما ، أو عرضا ؛ علمنا وجوده علما ضروريا وما علمناه منه ؛ لا يزيد على حصوله وثبوته.
ولو كان وجود ما أثبتوه من الصفة الزائدة الحالية ؛ لم يكن تصورها والتصديق بنسبتها إلى الذات ضروريا ؛ بل مكتسبا وهو محال.
وهذا المسلك ضعيف أيضا.
إذ لقائل أن يقول : لا نسلم أن تقرر الذات وتحققها فى العدم يزيد على نفس الذوات.
وما ذكرتموه من الفرق بين التصور ، والتصديق (١) فى قولنا : السواد والسواد ثابت :
إنما هو بحسب اللفظ ؛ دون المعنى.
وإن سلمنا جدلا مع الإحالة : أن ثبوت الذات زائد على نفس الذات ؛ فلا نسلم أن الثبوت هو الوجود ؛ بل الثبوت أعم من الوجود ؛ فكل وجود ثبوت ؛ وليس كل ثبوت وجودا.
قولكم : بأن المدرك بالضرورة من الأجسام ، والألوان الموجودة ؛ إنما هو ثبوتها ، وحصولها.
لا نسلم ذلك ؛ بل المدرك بالضرورة إنما هو الوجود.
__________________
(١) أما التصور : فعبارة عن حصول صورة مفردة ما فى العقل : كالجوهر والعرض ، ونحوه.
وأما التصديق : فعبارة عن حكم العقل بنسبة بين مفردين إيجابا أو سلبا ، على وجه يكون مفيدا : كالحكم بحدوث العالم ووجود الصانع ، ونحوه. [المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين لسيف الدين الآمدي ص ٦٩].