فإن كان الأول : فهما ضدّان ؛ وهو خلاف الفرض.
وإن كان الثانى : فلا بد وأن يكون ذلك الامتناع مستندا إلى ملازمة إحدى العلتين لما يضاد الأخرى لذاته لو كان ضد إحداهما ضدّا للأخرى ؛ لما تصور ملازمة إحداهما لضدّ الأخرى ؛ وهو خلاف الفرض.
وهذه المحالات إنما لزمت من القول بأن ضد إحداهما ضد للاخرى ؛ فكان محالا.
وإن لم يكن] (١) أحدهما مضاد للآخر كما فى السّواد مع الحلاوة ، والعلم مع الحركة ونحوه ؛ فإن ضد كل واحد منهما لا يكون ضدّا للآخر.
وعند ذلك : فبتقدير وجود ضدّ العلة الموجبة للعالمية بالسواد مثلا ؛ لا يمنع من وجود العلة الموجبة لها ، وللحكم الآخر : أى حكم كان ؛ ويلزم من ذلك أن يكون الشخص الواحد عالما بالسّواد ؛ لوجود العلة المقتضية للحكمين ، وأن يكون جاهلا به عند ما إذا كانت العلة الموجبة لأحد الحكمين : وهو العالمية بالسواد هى العلم ، والضد المفروض له هو الجهل. فلم يبق إلا أن تكون العلل الموجبة للأحكام المختلفة المفترقة ، متعددة لا متحدة ؛ وهو المطلوب.
فإن قيل : الإجماع منعقد مع دلالة البرهان على أن الله ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات المختلفة ، وأن كونه عالما بأحد المعلومات المختلفة ؛ مخالف لكونه عالما بالمخالف الآخر.
ولهذا كان كونه عالما بالسّواد مثلا ؛ لا يكون قائما مقام كونه عالما بالبياض ، ولا يسده مسدّه ؛ فكان مخالفا له.
ولا يخفى أن من هذه الأحكام المختلفة غائبا وهى العالميّات بجميع المعلومات ما لا يتصور فيها الاجتماع ؛ فإن كون الرب تعالى عالما بسواد المحل المعيّن ؛ لا يجامع كونه عالما ببياضه ؛ بتقدير أن بياضه بعد السواد ، وبالعكس.
وعند ذلك فلا يخلو :
إما أن تقولوا : إن علة هذه الأحكام المختلفة ؛ علة واحدة ، وعلم واحد.
__________________
(١) ساقط من «أ».