وإن سلم ورود ذلك لغة ؛ غير أن لفظ أفعل قد يرد على غير جهة المبالغة ، والتفضيل ، ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (١) : أى هين.
ومنه قولهم : الله أكبر ، وليس المراد به المفاضلة ؛ بل معناه الله الكبير. وإليه الإشارة بقول القائل
قبحتم يا آل زيد نفرا |
|
ألأم قوم أصغرا وأكبرا |
والمراد به الصغير ، والكبير ؛ لا المفاضلة.
وإن سلم أن لفظة أفعل للتفضيل ، والمبالغة ؛ ولكن لا نسلم أن لفظة أجسم ، للتفضيل فى التأليف ، وكثرة الأجزاء.
ويدل عليه أنه لو كان كما ذكرتموه ؛ لصح أن يقال فيما كان أكثر تأليفا / (٢) وتركيبا من الجمادات (٢) بالنسبة إلى غيره ؛ أنه أجسم منه حسب ما يقال فى الحيوانات ، ولا يقال للجبل إنه أجسم من الخردلة.
ثم وان سلّم صحة ورود ذلك فى الجمادات ؛ ولكن لا نسلم صحة وروده للمفاضلة فى كثرة التأليف ، بل للتفضيل فى عظم الشكل والضخامة ؛ وإن كانت أجزاء الأضخم أقل من أجسام ما هو دونه فى الضخامة ، وتأليفه أقل.
ولهذا يصح أن يقال للخشبة الطويلة المعرّضة التى هى أعظم فى نظر العين من قطعة من الرصاص ؛ أنها أجسم من تلك القطعة ، وإن كانت أجزاء الخشبة ، وتأليفها أقل.
ولا يقال : إن تلك القطعة أجسم ، وان كانت أجزاؤها ، وتأليفها أكثر.
قلنا : أما السؤال الأول : فهو خلاف الشائع الذائع من الوضع ، وعدم معرفة ابن دريد بذلك ـ إن صح ـ [لا يدل على إبطاله ؛ فإن عدم العلم بالشيء (٣)] لا يدل على عدمه فى نفسه ، ويدل على صحة هذا الإطلاق أيضا ، ما أشتهر من قول العرب أجسم الرجل جسامة ؛ كما قالوا أبدن بدانة.
__________________
(١) سورة الروم ٣٠ / ٢٧.
(٢) (وتركيبا من الجمادات) ساقط من ب.
(٣) ساقط من أ.