وأمّا لفظ « مثل » فلا يدل إلاّ علىٰ وجود التغاير بين المثلين ، وإلاّ انتفت الاثنينية ، وأمّا تفسير التفاوت بالقول بانّ الإيجاد الأوّل عنصريّ ، والثاني غير عنصري فهذا مما لا يدل عليه استعمال المثل في الآية ، بل غاية ما يستفاد منها هو وجود التغاير والاثنينية ، وأمّا ما هو ملاك التفاوت والاثنينية فلا تدل الآية عليه.
إذا كان المعاد عنصرياً ، وعاد الإنسان إلى الحشر بنفس البدن الدنيوي فهذا يكون عوداً إلى الدنيا بعد خروجه عنها ، ولا يكون رجوعاً إلى الله وقرباً منه ، وكيف يعد ذلك المعاد غاية للخلقة ؟ وهذا ما أشار إليه صدر المتألّهين ، بقوله : ولم يتفطنوا بأنّ هذا حشر في الدنيا لا في النشأة الأُخرىٰ وعود إلى الدار الأُولى ، دار العمل والتحصيل لا إلى الدار العقبىٰ ودار الجزاء والتكميل. (١)
إنّ كون المعاد رجوعاً إلى الله أو اقتراباً منه وغاية للخلقة يعود إلىٰ نفسه لا إلىٰ بدنه ، فهي التي تتحمل هذه الصفات لا بدنه ، فسواء تعلّقت بالبدن العنصري أو البدن المثالي ، فرجوعها إلى الله رهن تكاملها لا خروجها من البدن العنصري وتعلّقها بالبدن المثالي ، وإن استغربت من هذا الكلام فلاحظ النفس في هذه الدار فالنفس موجود طبيعي لها أصل في الطبيعة ، كما انّ إدراكها الصورة الجسمية المجرّدة يجعلها موجوداً مثالياً لها أصل في عالم المثال ، كما أنّ إدراكها للكليات والحقائق المرسلة موجود عقلائي لها أصل في عالم العقول.
وبالجملة كون الحياة الأُخروية غاية ورجوعاً إلى الله يتبلور في أمرين متحققين في الحياة الأُخروية.
أ. تجسم أعماله وتبلور أفعاله وما تواجه من جزاء الخير والشر.
__________________
١. الأسفار : ٩ / ١٥٣.