علىٰ جسمانية الحشر.
والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ القول بالتناسخ المستمر حتى فيما إذا كانت النفس جوهراً مجرداً يلزم نفي الحشر والمعاد ، وقد عرفت تضافر الأدلّة علىٰ ضرورته وانّه من لوازم الخلقة وغاياتها ولا يمكن إخلاء الكون عن تلك الغاية.
هذا كلّه حول التناسخ المستمر المطلق. وإليك البحث في القسمين الآخرين ، أعني : التناسخ النزولي والتناسخ الصعودي.
قد تقدّم أنّ الكاملين في العلم والعمل عند أصحاب هذا القول يلتحقون بالمفارقات والمجردات ولا يعودون إلى الدنيا ، وإنّما ترجع الطائفة التي لم تنل من العلم والعمل نصيباً وافراً عن طريق التعلق بالخليّة النباتية أو الحيوانية أو النطفة الإنسانية.
قال في شرح حكمة الإشراق : النور الاسفهبد إذا فارق البدن الإنساني ولم يكتسب فيه الكمالات العقلية والهيئات الخلقية الفاضلة ، بل اكتسب فيه أضداد ذلك من الجهالات المركبة ، والأخلاق المذمومة ، فلا يشتاق إلى المبادئ النورانية والأُمور العقلية بل شوقه إلىٰ ما تمكن فيه من الهيئات الظلمانية والآثار الجسمانية فينجذب لذلك بعد الموت إلىٰ بعض الحيوانات المنتكسة الرؤوس التي أخلاقها مناسبة لتلك الهيئات الرديئة البدنية المتمكنة في ذاته. (١)
والتناسخ بهذا المعنى غير صحيح ، لأنّ النفس الإنسانية في هذه النشأة إذا مكثت أربعين سنة مرافقة للبدن فسوف تكتسب فعليات ويتحول استعدادها إلىٰ كمالات ، وعندئذ فلو تعلّقت بخلية من الخلايا الثلاث فإمّا أن تتعلّق بها مع حفظ
__________________
١. شرح حكمة الإشراق : ٥٢٢.