وأمّا الثاني : فهو أيضاً كذلك ، أي لم يكن هناك أيُّ سير قهقرايّ للنفس ، وذلك لأنّ الهدف من المسخ هو تعذيبهم وجزاؤهم جزاءً سيّئاً ، ولا يتحقق ذلك إلاّ بتحولهم إلى قردة بعد ان كانوا أُناساً ، وهذا النوع من الإدراك عند التوجه إليه يؤلمهم روحاً ويعذبهم فكراً ، ولذلك يقول سبحانه : ( فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ). (١)
وبكلمة موجزة : انّواقعية المسخ عبارة عن انقلاب الإنسان إلى صورةِ حيوان مع التحفظ على إنسانيته ، وهو غير التناسخ الباطل.
الشيعة تعتقد بعودة جماعة ـ بعد قيام المهدي عليهالسلام ـ إلىٰ هذه النشأة ، قال الشيخ المفيد : إنّ الله تعالى يحيي قوماً من أُمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد موتهم ، قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختص به آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. والرجعة إنّما هي لممحضي الإيمان من أهل الملّة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأُمم الخالية. (٢)
وصار ذلك سبباً لصب التُّهَم على الشيعة بأنّهم قائلون بالتناسخ. (٣)
والجواب : انّ الرجعة تفارق التناسخ جوهراً وذاتاً ، لما ذكرنا من أنّه يتقوّم بأمرين : تعدّد البدن ، وتراجع النفس عن كمالها إلى النقص ، وكلا الأمرين غير موجودين في الرجعة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الحياة ترجع إلىٰ نفس البدن الذي تركته حين الموت فيتعلّق نفس كلّ إنسان ببدنه.
__________________
١. البقرة : ٦٦.
٢. المسائل السروية : ٣٢ و ٣٥.
٣. فجر الإسلام : ٢٧٧.