موجودة بين النفس والبدن المُعاد. وبما أنّ المُعاد في دار العقبىٰ هو نفس البدن الدنيوي الذي تعلّقت به النفس في هذه النشأة ، فتتعلّق به النفس في النشأة الآخرة.
نعم البدن المعاد وإن لم يكن عين البدن الدنيوي إلاّ أنّه مثله ، فيشتمل علىٰ كافة الخصوصيات الموجودة في البدن الدنيوي ، وهذه الخصوصيات كافية في إيجاد المرجح لتعلّق النفس بذلك البدن دون الآخر.
فاللّه سبحانه عندما يُعيد البدن الدنيوي فإنّما يعيده بكافة الخصوصيات المتحقّقة في هذه النشأة غير النفس ، وهذا المقدار يكفي في المرجحية وإخراج التعلّق عن كونه تعلّقاً بلا مرجح.
إنّ النفس الإنسانية تتكامل شيئاً فشيئاً في الحياة الدنيا تحت ظل الحركة الجوهرية فتصل من الأدنى إلى الأعلى حتى تقع انتهاء الأكوان الصورية من النفس وعند ذلك تتبدل قواها إلى الفعلية وطاقاتها إلى الوجود الواقعي ، فلو أُعيد إلى الدنيا يلزم رجوع الفعلية إلى القوة وهو أمر علىٰ خلاف الحكمة.
يقول صدر المتألّهين : إنّ النشأة الثانية طور آخر من الوجود يباين هذا الطور المخلوق من التراب والماء والطين ، وانّ الموت والبعث ابتداء حركة الرجوع إلى الله أو القرب منه لا العود إلى الخلقة المادية والبدن الترابي الكثيف الظلماني. (١)
إنّ هذا الإشكال أي استلزام المعاد العنصري رجوع الفعليات إلى القوى لا يختص بالمعاد ، بل يعم الخلقة الابتدائية عند من يقول بخلق الأرواح قبل الأبدان ، فانّ الروح المجرّد موجود متكامل نفذ طاقاته وانقلب قواه إلى الفعلية ، فلو تعلّق
__________________
١. الأسفار : ٩ / ١٥٣.