ذهب المحقّقون من المتكلّمين والحكماء كالشيخ المفيد والسيد المرتضىٰ والشيخ الطوسي والمحقّق الطوسي والعلاّمة الحلّي من الإمامية ، والغزالي والكعبي والحليمي والراغب الاصفهاني من السنّة ، إلىٰ أنّ المعاد جسماني وروحاني ، لأنّ النفس وإنْ كانت مجرّدة إلاّ أنّ تجرّدها ليس تامّاً حتى يستحيل تعلّقها بالمادة من جديد.
هذه هي الآراء المطروحة ، إنّما الكلام في تبيين الضوابط والمعايير التي علىٰ ضوئها يوصف المعاد بالجسمانية والروحانية ، وهذا هو المهم في الباب.
لأنّ القول بكون المعاد جسمانيّاً فقط ، لا يخلو عن غموض ، فلو أريد من جسمانيته هو بعث البدن المنسلخ عن الروح ، فيعود إلى القول بمعاد الإنسان بصورة جماد فاقد للإدراك والشعور ، ومن الواضح انّ مثل هذا لا يقبل الجزاء ولا الثواب والعقاب ، فينتفي الغرض من المعاد.
وإن أُريد منه البدن المرافق مع الروح ، فلا يكون المعاد عندئذٍ جسمانياً فقط ، ولأجل ذلك عاد كثير من المتشرّعة إلى القول بجسمانية المعاد وروحانيته.
واللازم قبل اتّخاذ موقف صريح في ذلك تعيين معيار علىٰ أساسه يطلق الجسمانية أو الروحانية على المعاد. فنقول :
إنّ ثمة ملاكين للوصف بالجسمانية أو الروحانية ، حيث يرجع أحدهما إلىٰ بيان واقع الإنسان وحقيقته ، والآخر إلىٰ بيان نوع الجزاء من كونه جسمانياً أو روحانياً ، وها نحن نستعرض كلا الملاكين.