( الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ) (١) ، والخلق والجعل لا يتعلّق بأمر عدمي وإنّما أُضيف إليه باعتبار بعض المعاني التي ذكرنا أنّ الموت فيها أمر وجودي.
وهناك وجه آخر لبيان تعلّق الجعل بالموت ، وهو أنّ الموت عبارة عن تقدير الحياة في النشأة الأُولى ، ونفس التقدير أمر وجودي ، قال سبحانه : ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ). (٢)
وأمّا تذييل الآية بقوله : ( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) لغرض بيان أنّ موت الإنسان ليس معلولاً لقدرة أُخرى حتى تسبق قدرةَ الله سبحانه ، وإنّما ذلك سنّة إلهية جارية في الأحياء ، فلم يُكتب علىٰ حيّ في هذه النشأة الخلود والدوام.
أثبتت العلوم الحديثة أنّ الكون يسير باتجاه موت حراري وشيخوخة يصطلح عليها في الفيزياء بالانتروبي.
يقول الدكتور « فرانك الن » : إنّ قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أنّ مكوِّنات هذا العالم تفقد حرارتها تدريجياً ، وانّها سائرة حتماً إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة البالغة الانخفاض هي الصفر المطلق ، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ، ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقات عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت.
أمّا الشمس المستقرة والنجوم المتوهّجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلّها دليل واضح علىٰ أنّ أصل الكون وأساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معيّنة فهو
__________________
١. الملك : ٢.
٢. الواقعة : ٦٠.