وفي آية أُخرى ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ ) (١).
والمراد شهادته على أعمال أُمّته من خير وشر وصلاح وفساد ، وأداء الشهادة فرع تحمّلها ولا يتحمله إنسان إلاّ بعد العلم بظواهر أعمالهم وبواطنها ، وخير نياتهم وشرّها ، وهذا يدل على سعة علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالظواهر والبواطن ، والحقائق والدقائق.
قال سبحانه : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ). (٢)
فيقع الكلام في تعيين ما هو المقصود من المخاطبين ، فهل المراد الأُمّة الإسلامية قاطبة ؟ وعلى هذا يكون المشهود عليهم هم الأُمم السالفة ، أو المراد شهادة بعض الأُمّة على بعض ؟
والظاهر انّ الثاني هو المتعيّن ، إذ لو كانت الأُمّة الإسلامية أُمة صالحة برُمَّتها لصحت شهادتهم ، وأمّا إذا كانت غالبية الأُمة غير شاكرين ، كما يقول سبحانه : ( وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) (٣) فكيف تكون تلك الأُمة بعامتهم شهداء ؟!
فلا محيص عن كون المراد بعض الأُمّة لا جميعهم ، وليس هذا البعض إلاّ من اختارهم الله سبحانه أئمّة على الأُمّة وحكّاماً على البلاد.
يقول الإمام الصادق عليهالسلام : فإن ظننت انّ الله عنىٰ بهذه الآية جميعَ أهل القبلة من الموحدين ، أفترىٰ أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا علىٰ صاع من تمر ،
__________________
١. المزمل : ١٥.
٢. البقرة : ١٤٣.
٣. الأعراف : ١٧.