يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأُمم الماضية ؟! كلا لم يعن الله مثل هذا في خلقه. (١)
ويبقى ثمة سؤال ، وهو انّه إذا كان المراد بعض الأُمّة الذين شملتهم العناية الإلهية وجعلتهم صفوة عباده ، فلماذا ينسب الحكم إلى الجميع ؟
والجواب : انّ ذلك ليس بغريب ، فقد ورد نظير ذلك في الذكر الحكيم حيث وصف جميع بني إسرائيل بجعلهم ملوكاً مع أنّ البعض القليل منهم قد تصدّوا لمنصة الحكم كداود وسليمان وغيرهما ، يقول سبحانه : ( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ) (٢) وهذا يدل على أنّه تصحّ نسبة الحكم إلى الجميع وإن كان الحكم خاصّاً ببعضهم. والقدر المتيقن من شهداء الأُمة الذي يخبر عنه قوله سبحانه : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٣) هم الأئمّة المعصومون قرناء الكتاب وأعداله بنصِّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم: « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ».
وقال سبحانه : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ). (٤)
دلت الآية علىٰ أنّه سبحانه أورث علم الكتاب المصطفين من عباده لا جميع عباده ، وثمة سؤال انّه لماذا لم يورث علم الكتاب جميع عباده ؟ وتجيب الآية بأنّهم علىٰ ثلاثة أصناف ، فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ، وهاتان الطائفتان لا تستحقان وراثة علم الكتاب ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، فهؤلاء هم الذين اصطفاهم الله من عباده ورزقهم فضلاً كبيراً ، كما يقول في ذيل الآية ( ذَٰلِكَ هُوَ
__________________
١. تفسير البرهان : ١ / ١٦٠.
٢. المائدة : ٢٠.
٣. البقرة : ١٤٣.
٤. فاطر : ٣٢.