إلى هنا وقفت على أدلة تجسّم الأعمال من جانب الكتاب والسنّة ، وإكمال البحث يفرض علينا طرحه على صعيد العقل والعلم.
إنّ لفيفاً من المفسرين والمتكلّمين أنكروا تجسّم الأعمال وقالوا بامتناعه ، وأوّلوا ما ورد من الآيات والروايات في ذلك المقام ، والسبب الداعي إلى ذلك أمران :
أ. انّ ما يقوم به الإنسان من الأعمال الصالحة والطالحة يفنىٰ بعد تحقّقه وتذهب سدىٰ ، فكيف يمكن إعادته بعد انعدامه ؟!
ب. انّ الأعمال من مقولة العرض ، وهو قائم بالجوهر ، ومعنىٰ تجسّمها هو تحقّق العرض بلا جوهر ، وهذا أمر محال.
هذا هو الشيخ الطبرسي ينقل في تفسير قوله سبحانه : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا ) ، الكلام التالي :
اختلف في كيفية وجود العمل محضراً ، فقيل : تجد صحائف الحسنات والسيئات ، عن أبي مسلم وغيره ، وهو اختيار القاضي.
وقيل : ترىٰ جزاء عملها من الثواب والعقاب ، فأمّا أعمالهم فهي أعراض قد بطلت ، ولا تجوز عليها الإعادة فيستحيل أن ترىٰ محضرة. (١)
وفي المقابل ، هناك من يرفض تلك النظرية ويصحّح تجسّمها بالبيان التالي :
يقول بهاء الدين العاملي : إنّ الحيّات والعقارب ، بل والنيران التي تظهر في القبر والقيامة ، هي بعينها الأعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة التي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وتجلببت بهذه الجلابيب ، كما أنّ الروح
__________________
١. مجمع البيان : ١ / ٤٣١ ، ط صيدا.