والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقّة التي برزت في هذا العالم بهذا الزي وتسمَّت بهذا الاسم ، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن ، فتحلّىٰ في كلّ موطن بحلية ، وتزيّىٰ في كلّ نشأة بزيّ ، وقالوا : إنّ اسم الفاعل في قوله تعالى : ( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) (١) ليس بمعنى الاستقبال بأن يكون المراد انّها ستحيط بهم في النشأة الأُخرى. (٢)
ففي قوله : إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن فتحلّىٰ في كلّ موطن بحلية ، جواب عن الإشكالين الماضيين.
وحاصل الجواب : انّه لا مانع من أن يكون لشيء واحد تجليان حسب اختلاف الظروف ، ولم يكتب على جبين العرض انّه عرض في كلتا النشأتين.
يقول العلاّمة المجلسي : القول باستحالة انقلاب الجوهر عرضاً ، والعرض جوهراً في تلك النشأة مع القول بإمكانها في النشأة الآخرة قريب من السفسطة ، إذ النشأة الآخرة ليست إلاّ مثل تلك النشأة ، وتخلّل الموت والإحياء بينهما لا يصلح أن يصير منشأ لأمثال ذلك ، والقياس على حال النوم واليقظة أشد سفسطة إذ ما يظهر في النوم إنّما يظهر في الوجود العلمي ، وما يظهر في الخارج فإنّما يظهر بالوجود العيني ، ولا استبعاد كثيراً في اختلاف الحقائق بحسب الوجودين ، وأمّا النشأتان فهما من الوجود العيني ولا اختلاف بينهما إلاّ بما ذكرنا ، وقد عرفت أنّه لا يصلح لاختلاف الحكم العقلي في ذلك.
وأمّا الآيات والأخبار فهي غير صريحة في ذلك ، إذ يمكن حملها على أنّ الله تعالى يخلق هذه بازاء تلك أو هي جزاؤها ، ومثل هذا المجاز شائع ، وبهذا الوجه
__________________
١. العنكبوت : ٥٤.
٢. البحار : ٧ / ٢٢٩ ، باب أحوال المتقين من كتاب العدل والمعاد.